نحن نقوم بأغلب ما نقوم به رغبة منا بقول شيء ما للآخرين. غريب فعلاً ذلك الأمر، قد يرفضه البعض، غير أنه حقيقي لدرجة لا تصدق. صحيح أن أغلبنا يقوم بهذا الأمر معظم الوقت، غير أن القلة «فقط» من يرغبون في تقديم رسائل ذات مغزى أثناء فعل ذلك. على مستوى التاريخ الإنساني، كان للبعض رسائل شاءت الظروف أن تلقى تأثيراً فاق التوقعات، رسائل خلدها التاريخ ومجد أصحابها، كرسائل المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنج وكارل ماركس، وغيرهم ممن ملؤوا الدنيا بأفكارهم التي أصبحت ملهمة لملايين البشر من جيلهم، بل وأجيال ممن لحقوهم.
من جديد أعود للفيلم الإسباني «The Platform» الذي كتبت حوله الأسبوع الماضي محاولة لفك شيفراته التي لامست كثيراً -وما زالت- واقعنا الحالي بل وظروفنا التي نعيشها الآن على وجه الخصوص. وهنا سأحاول التطرق للرسالة التي كانت محور هذا العمل غير العادي والتي حاول البطل السجين إيصالها للمساجين الآخرين الذين يشاركونه المكان، عندما أخذ على عاتقه قرار إقناعهم بتغيير سلوكهم في التعامل مع الطعام الذي يصلهم ليتركوا للآخرين نصيباً منه، مستغنياً بذلك عن رفاهية المستوى رقم (4) وما توافر فيه على مائدة فيها ما لذ وطاب من طعام لم يتم التهامه وتلويثه. ترك هذا وقرر المضي في رسالة تبدو ساذجة ومجنونة إلى أبعد الحدود رغم نبلها، لا بسبب فحوى الرسالة، إنما بظروف نقل هذا المحتوى والإمكانات العقلية لمتلقيها.
إذ كيف لنا أن نقنع الناس باتخاذ إجراء ما، يخالف تماماً إشباع حاجتهم الملحة والرئيسة في ذاك الوقت؟!
عندما خرج كارل ماركس ومارتن لوثر إلى الآخرين بأفكارهم، كان هناك تعطش لملء حاجة أساسية لدى الناس، كان هناك رغبة قوية لدى الأغلب في الحرية والكرامة كما في حالة الزعيم الأسود، أو لحاجة قوية وماسة لفرص متساوية وتكافؤ في ظل سطوة البرجوازية واستغلالها كما في حالة المُنظر الاشتراكي.
ساعدت هذه الظروف على وصول رسائلهم، غير أن ما قام به السجين لم يكن ليلقي له بالاً في حالة تسلط فيها الجوع على أجواف المساجين وغيب فيها قسوته على وعيهم. الرسالة مهما بلغت درجة قدسيتها وجلال فكرتها، إلا أنها قد تنقلب إلى كارثة على من يتلقاها ومن يحملها في حالة عدم تضافر معطيات بيئية لتحققها.