في زمن الكورونا تحول العالم بشقيه المتقدم والنامي وما بينهما إلى قرية صغيرة يعرف سكانها بعضهم البعض، فهم في بداية المطاف ونهايته بشر يتعاضدون ضد ما يهدد بقائهم، فتسابقت الدول لمعرفته ومحاصرته وعزله للحد من انتشاره عملاً بالحكمة الصينية القائلة «توثق من نفسك واعرف عدوك ودور عن نقاط ضعفه ولا تحاتي 100 معركة عقب ذلك». حكمة نجدها في كتاب «فن الحرب» الذي كتبه القائد والفيلسوف الصيني صن تسو قبل 2300 سنة. فقد تطرق لمفاهيم متعددة تعالج الصراعات بأنواعها وتنظر إلى النفس البشرية وممارساتها حتى أصبح مفعول ومنطق هذا الفكر قائماً وملامساً لتفاصيل معترك الحاضر في ساحات القتال والعمل والحياة اليومية، بما في ذلك صراعات الإرث وصدامات الطلاق. ففي ثنايا الحكم والمواقف، يترك كتاب «فن الحرب»، ما يرسخ أن الحكمة الصينية القديمة شرحت كيفية استخدام القوة الناعمة لينتصر الأضداد بلا هجوم أو خسائر حتى عندما يكون النزاع مترامي الأطراف أو محاصراً في مساحة الوقت والزمان.
في الشدة والمِحن احتوى نهج قيادتنا الحكيمة الأزمات والكوارث، وها هي تسير بخُطى ثابتة حتى غيرت مفهوم وتعريف مصطلح «الدول العظمى». فالدولة العظمى هي دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي كماء السماء يغيث من الأعلى إلى سائر الأركان، وهي كالنسيم العليل في إسعاد البشرية وكالطوفان في وجه ما يهدد صحة الإنسان. من فنون قيادتها للأزمات أن دولتنا لم تنظر إلى السياسة بل نظرت إلى الإنسان بصرف الاعتبار عن هويته وقوميته، مستمدة من استراتيجياتها القائمة على التسامح والتفهم ما عزز الإنسانية. وطَمْأنَ القائد شعبه وضمهم إلى صدره قائلاً: أنتم جميعكم أهلنا ونحن فخورون بكم ولن نترككم، «لاتشلون هم»! كما قدم عزمه لمساندة البشر الذين تحاصرهم قسوة الظروف وقد تربص بهم المغرضون، وقدم العزاء لكل من فقد غالياً وعزيزاً على وجه الأرض. ولا يدل ذلك إلا على بعد النظر وفعل الخير الذي حرص عليه الباني المؤسس -طيب الله ثراه- وسار على نهجه عياله الكرام.
للعارفين أقول، نال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة (حفظه الله) لقب «سور العرب» عندما زار جمهورية الصين الشعبية مؤخراً، وهو لقب لم تمنحه الصين لأي قائد عربي من قبل، وذلك تقديراً لدوره ومواقفه الاستثنائية في احتواء الآخر، فهو قائد السلم رفيق السلام. آن الأوان أن تحتوي مناهجنا الدراسية على دروسٍ من فلسفة «سور العرب» وليس فن الحرب ضد كورونا فحسب بل فنون الإنسانية والمواقف التي يسطرها التاريخ يوماً بعد يوم، حتى ترتسم صورها في الذهن وتُنحَتُ حقائقها في ذاكرة الوطن لأجيال المستقبل، إنها نموذج نهج صريح للقيادة الفعالة التي استمدت استراتيجيتها وفن حربها من ثقافتها الشعبية ومثلها القائل «الخسارة خسارة الروح».