قبل أن تضع رأسك على الوسادة تطوقك أفكار، وأحداث مرت عليك في نهارك، بعضها سار، وبعضها مثل الأشواك في حقل جاف، كما أنك تستجمع وجوهاً دارت في خلدك واستوطنت رأسك، وأصبحت مثل عصافير الصباح تزقزق من حولك ولا تدعك تخلد إلى نوم عميق.
بعض هذه الوجوه تشيعك بوميض يسعدك، وبعضها تغشيك بغمامة لا تجعلك تهجع كخلق الله.
تحاول أن تهرب، وتفكر في حيلة تنقذك من صهد ما تراه، ولكن الغيمة داكنة، والسيل جارف، والريح عاصفة، وخيمة الرأس تطوح يمنة، ويسرة، والأرض من تحتك أشبه ببيضة فاسدة، وإذا كان من حولك يصدر فحيحاً مزلزلاً تكون طامتك أكبر، وأعظم.
في الصباح عندما تفتح عينيك، وتحاول أن تنهض من فراشك تشعر وكأن الجبال الشم بعظمتها وجلالها ترمي بثقلها على صدرك، وتحاول أنت أن تمسد عظامك لعلها تساعدك على الإفلات من كومة ما يثقلك، ولكن دون جدوى، تفكر في شيء ما ينقدك، ويمد لك يد العون، لأنك رسمت موعداً مع شخص عزيز على نفسك، ولا بد لك من الوفاء بالوعد، ويظل وجه هذا الشخص يلاحقك ويستنهض فيك الهمم، ويستفزك أحياناً، ويقول لك، لا تدع الكسل يثنيك عن إتمام ما اتفقنا عليه من موعد مهم، ولكنك لا تستطيع أن ترفع رأسك المثقل، لا تستطيع الخروج من فوهة السرير الذي أصبح مثل خندق تؤمه أنسجة العناكب التي تمنع نهوضك.
وبعد محاولات يائسة يهيأ لك الفرار من وهدة التعب، وتذهب إلى الماء الدافئ، وتضع جسدك المنهك تحت الزخ الرهيب الذي يفرك وعيك، ويزيل عن جفنيك الخمول، ثم تنتهي من مهمتك الشاقة، وترتدي ملابسك، ثم تتناول طعام الإفطار على مضض وبشهية مغلقة، ثم تغادر منزلك، لتجد نفس المشاهد والوجوه تستقبلك بمختلف السجايا، والتقاليد اليومية، تحاول أن تغير الدروس اليومية، ولكن الآخرين لا زالوا على نفس النهج والسلوك، والانبعاثات النفسية.
وعندما تعود إلى منزلك، تشعر وكأنك منذ قرن لم تتغير، ولم يتغير ما حولك، وكل الأشياء تسير برتابة مثل الماء الآسن، تشعر بالرعب من هول ما يحيطك، وتعتريك القشعريرة، عندما تعد الأيام، وتحصي ما تكرر من أحداث ووجوه، وكلها تدعو إلى النفور والاستياء مما يحدث لك، وأنت في موئل التكرار والإعادة ورسوبيات الزمن.
فكّر في نفسك، تفكر في الآخر، وتفكر كيف يمكن للعقل أن يتطور طالما بقيت العجلة تدور حول نفسها، منذ مائة عام أو مائتين أو أكثر، فالأشياء التي تكرر نفسها، لا تتقدم، والتي لا تتقدم لا تجدد إيهابها.