تنقلبُ روزنامة الوقت، وتتبدلُ الأعوامُ في دوران الزمن، وسنة بعد سنة، ومع نهاية وبداية كل عام، نراقب تحولات الثقافة في الإمارات، وقفزاتها الكبيرة، وخطواتها العملاقة، فنزداد قناعة بأن الأسس والمفاهيم والرؤى التي توجه وتقود حراكنا الثقافي، تستند كلها إلى مبادئ حقيقية في التعامل مع الثقافة وضمان استدامتها بهذا العلو التصاعدي. وبالأخص عندما بدأت السياحة الثقافية في الإمارات تؤتي ثمارها لتصبح أنشطة ومهرجانات الآداب والفنون والتراث أحد الروافد الأساسية في الاقتصاد الوطني. وهي تتكامل وتتسق مع توجهات الدولة نحو البروز، كوطن حضاري تُلغى فيه الفروق، وتتعزز فيه قيم المحبة والتسامح وحب الخير والجمال.
تحتل الثقافة مساحة شاسعة في الصورة الحضارية الكبيرة لدولة الإمارات. وارتكاز منهجية عمل المؤسسات الثقافية على فكر التنوير والانفتاح على فنون العالم وآدابه. أعطى صفة (العالمية) لكثير من برامجنا الثقافية، ولكن الأهم هو أن الثقافة العربية ظلت تحتل مكانها الحقيقي بين هذه الفنون والآداب والمؤتمرات. وكان المثقف والمبدع العربي حاضراً في مساحته التي تليق به، وشكل ذلك الفرصة للمبدعين الإماراتيين للدخول في دائرة العمل الثقافي بروح عالمية تتجاوز النظرة التقليدية للتراث، فجاءت تجربة الشاعر والفنان والمسرحي أكثر حداثة في التعامل مع أدواته، وأكثر حريّة في طرح رؤاه وهواجسه وأسئلته الكبرى. أيضاً كان لهذا المناخ المنفتح، الدور الأبرز في تحييد (الوصاية الثقافية)، وبسبب ذلك، وجدت قصيدة النثر الإماراتية دربها واحتلت مكانتها الحقيقية، رغم ارتفاع الأصوات ضدّها. وكذلك الحال مع المسرح التجريبي، وصولاً إلى كسر إطار اللوحة الفنية والتمرد على المدارس التقليدية في الرسم، وحرية وصول الكتاب ورفع يد الرقيب التقليدي عنه.
نستعد هذا العام للاحتفال باليوبيل الذهبي للإمارات العام المقبل. ومن يمعن النظر في الخطاب الثقافي الذي يترسخ في الدولة كل يوم، سيدرك أن الدول التي تؤسس لوجودها الحضاري على مستوى العالم، هي تلك التي تتكامل وتتداخل فيها مجالات العمل في بنية واحدة، إلى درجة أنك لا تستطيع أن تفرّق ما بين الاقتصاد والسياحة والثقافة والسياسة والتعليم والرياضة، كونها أصبحت تخدم بعضها، وتسير جنباً إلى جنب باتجاه المستقبل.
هذا الحضور الثقافي العالي للإمارات هو ضربة البداية ليس إلا. وكلي ثقة بأن هناك قفزة عملاقة، بداية من العام المقبل، ستؤسس لها الحكومة، وتمهّد الطريق لتكون جميع مدن الإمارات عواصم ثقافية عالمية بروح عربية إسلامية منفتحة. وبحضور لافت ومدهش للمبدع الإماراتي الجديد.