لا تأمن الجمر إذا توارى تحت الرماد، لأن عيونه تظل تنبض بشهوة الحريق. ولا تأمن لمن تسكن قلبه الضغينة، فقد يبث في وجهك السم، وينثر في سرور لياليك الندم. وإذا خطوت تبغي المجد، لا تكترث للشوكة لأن جراحها تُشفى في ساعة النصر، وخدوشها تذهب للنسيان. ها هي الطرقات براّ وبحراً أمامك، والصحراءُ خلوٌ من ضواريها، والعواصف نامت في مستقرها. وها هي رجلاك أقوى من المسافة، فمتى ستنتمي للبدايات، متى ستهدم الجدار الذي اسمه الوهم، وتحمل الوردة وتمضي للقاء عينيها. أيها الساكن في الدائرة، أيها المطعون بالفراغ. الحبّ كلمة بيضاء، والمشي في دروبه الغامرة، يحتاج أن تتطهّر أولاً من كآبة الخوف، وأن تدفع الجبناء من حولك وتفرّق شمل اقتراب كلماتهم منك. ويحتاج أن تفتح الكتاب لتقرأ تعويذة العشق التي إنْ نطقت بها، تراخت لك الجبال، ونأى المغرور عنك، وتشردت وقت مرورك مجالسُ الحائرين. وساعتئذ، سترى النار التي أيقظها الغُلاةُ تحرق أصحابها. وسترى جمرة الخُبث تغمض عينها حين تدوسها بقدميك الحافيتين. وبقوة الحب، ستعبر جسر الضوء محروساً بهالة الجنون. وسوف ينادي عليك المرتبكون: قف. وسوف يرميك الكهول بنصائح الحذر. وتخاف عليك الأمهات من انزلاق الهاوية. لكن قلبك سيكون قد لاذ بنفسه عن الأوامر النواهي، ولن يسمع إلا ما تبشّر به النهايات السعيدة، ولن ترى عيونك غير انبلاج الألوان في عالمٍ مسحورٍ أنت فيه سيّد المسرّات. ماذا تنتظر؟. خذ ورقةً واكتب على بياضها اسم من تحب. ثم انفخ على الريح كي تحمل شراعك في الزرقة البعيدة. وحين تلتقيان على قوس الأمنيات، قل لها: أنت قصيدة الترحالِ، وشفاهكِ الندى، والجلوس قربكِ نعمة خضراء. وشجرة الحب، إذا انكسر غصنها عند اشتداد العاصفة، سنعود نرويها من نبع شوقٍ لا يجف أبداً. وقل لها: خذي دمي نهراً لرسائل العشق. خذي حريتي وطوفي على الآهات نكنسها من ليالي البائسين. وُلدنا كي نرتفع في نشيد المجرّةِ، متحدان مثل كوكبين ندورُ حول شمس المعجزات. يدي في عناقكِ فيض حنين، وروحي قرب روحك تلتقي بكمالها. وقل لها: نار الحب بيضاء كالثلج، وشتاء لياليه دفءٌ قارس. والشمعة التي نوقد نورها في لمحة الوعد، ستظل تكبر في اتساع الكون، وتقشع في طريقها ظلام الجهل كله.