«كل طفل فنان، المشكلة هي كيف تظل فناناً عندما تكبر»، مقولة رددها كثيراً الفنان العالمي الشهير بابلو بيكاسو، تكشف أن الطفل يمتلك عالماً إبداعياً خاصاً به، ومخزوناً فكرياً وفنياً، وملكةً إبداعيةً وموهبةً قويةً تحتاج إلى اكتشاف وتنمية ورعاية من البيت والمدرسة حتى نطلق قدراته، ويصل إلى مرحلة الإبداع والتميّز.... فكل طفل بداخله براءة حالمة، وكنز ثمين، إذا أحسنا دعمه ورعاية موهبته، وإطلاق العنان لطاقاته الخلاّقة، فسنصل إلى مرادنا، ونبني جيلاً مبدعاً، يتحفنا بفنونه، ويبهر جمهوره محلياً وعالمياً.
إن اكتشاف الموهبة وتنميتها رحلة طويلة تحتاج إلى تخطيط، تبدأ من اليوم الأول لولادة الطفل وتستمر طيلة حياته، وتمر بالمدرسة، وهي مرحلة مفصلية في تشكيل وعي الطفل، واكتشاف ذاته، لذا أدركت المؤسسات الحكومية أهمية هذه المرحلة، وتعاونت في إطلاق مبادرة رحلة اكتشاف المواهب «روائع»... فخلال وقت قصير، استطاع الطلاب إثبات حضورهم القوي، وأبهروا الجمهور بأدائهم المشرف في الملحمة الاستعراضية «أسطورة الأب»..... روائع، مبادرة طموحة، توفر مساحة للإبداع، وتعزز القدرات الفنية للطلبة في مجالات الفنون البصرية والتراث والمسرح والموسيقى، وتصقل مهاراتهم، وتتيح تشكيل فرق محترفة، تشارك في تقديم الثقافة والفنون الإماراتية إلى العالم من خلال المهرجانات والمحافل العالمية الرفيعة.
تتكامل هذه المبادرة مع سعينا إلى إنشاء أول أوركسترا وطنية، تستقطب الأطفال والشباب من مختلف الأعمار، وترفد الموهوبين بأفضل التدريبات الفنية، وتطور إمكاناتهم الإبداعية، لنصل إلى اليوم الذي نشاهد فيه الأوركسترا الوطنية الإماراتية تجوب العالم، وتقدم عروضاً موسيقية في أعرق المسارح العالمية.
تتعدد المنصات، وتتنوع المساحات التي تستوعب مواهبنا الوطنية في مختلف المراحل العمرية، فخلال الأسبوع الماضي، افتتحنا مساحة فنية في السركال أفينيو لكلية الفنون والصناعات الإبداعية بجامعة زايد تستهدف احتضان وتنمية الطاقات الإبداعيّة الكامنة، ومساعدة طلبة الجامعة على تطوير مهاراتهم والتعبير عن أنفسهم بشكل إبداعي، وعرض أعمالهم الفنية أمام الجمهور، وخلق تقارب ثقافي بينهم وبين نظرائهم الفنانين من الجنسيات والثقافات الأخرى، وتوفير جوّ ملهم ومشجّع على الإنتاج الفني، كما تسهم هذه المساحة في استضافة ورش عمل ومحاضرات وحلقات نقاشية تفتح الآفاق أمام الطلبة والخريجين.
تجولنا في المعرض المصاحب للمساحة الفنية، واطلعنا على مجموعة من الأعمال الفنية والتصاميم الإبداعية لطالبات مواطنات، تعكس عمقاً في التصميم، وتوظيفاً جميلاً للتقنيات الحديثة، بما يبشر بجيل وطني مبدع ملهم، قادر على التأثير بشكل فاعل في المشهد الفني المحلي من خلال تجارب وممارسات ذات جودة عالية تتسم بالتنافسية، وفي الوقت نفسه تنقل الإبداع الإماراتي إلى الساحة العالمية، وتعزز مكانة دولة الإمارات مصدراً للإشعاع الحضاري والتنويري، وموطناً للتنوع الثقافي.
تغذي المساحات الفنية الحياة الإبداعية في الدولة، وتدعم المواهب، وترفع الوعي بأهمية الفن وأثره على الحياة العامة، وتخلق حراكاً فنياً بين مختلف فئات المجتمع، وتحفز برامج الإقامة الفنية في الإمارات، وتبعث روحاً فنيةً جديدةً في المجتمع تجعله أكثر عمقاً وجمالاً، وترسخ موقع الإمارات على خريطة الفن العالمية.