يمكنك أن تقدم الوردة للحبيبة، للصديق، للمريض، للأب، للأم، للطفل وتحدث أثراً عالياً بالسعادة والتوهج في قسمات الوجه. وفي الوقت نفسه، يمكن أن لا تحدث أي أثر يجانب الجمال، لا تعلو المحيا فرحة، ولا ترى العين فتنة في الوردة. كل هذا التناقض يحدث في الكثير من الأشياء، بين الانعكاس الجميل والانعكاس القبيح.
يحدث ذلك، حين يتداعى ركن من أركان فن التعامل البشري في العلاقات الإنسانية وفي الثقافة وفي الكتابة، في الأدب، في القراءة، في التحية، في الخطاب، في الطلب وفي الأمر، ركن لا يقل شأناً من شؤون الوجود الكبرى، وهو الأسلوب.
فبين الأسلوب كفن والأسلوب كقبح، تكمن الأسباب الحقيقية للتميز والنجاح، ففي العلاقات الإنسانية عندما يغيب الأسلوب السوي في التعامل، الأسلوب المنتمي لإرث من الوعي والثقافة المتراكمة عبر مراحل العمر من التربية الأولى إلى الارتقاء الذاتي بالمعرفة، فإن شرخاً عميقاً يحدث، فلا يعود صاحب الأسلوب الخالي من كل ذلك سوى رقم في تعداد البشر، وربما أسوأ من ذلك.
يحدث ذلك أيضاً في الأدب، في الفن، في الغناء، في الرقص، في الحب وحتى في الجنون. فعندما يغيب الأسلوب بأشكاله الجميلة، تلك الأشكال التي تجعل اليابس أخضر، التي تعيد للقلوب بهجة الحب، وتدس في الروح انتشاء يشبه الشتاء، ترفع من وتيرة الأمل وتدفع إلى ساحة الشغف والأحلام التي تتلألأ كالنجوم، تتحقق، عندما تغيب هذه الأشكال للأسلوب تنتكس الإرادة العالية، يخفت الشغف وترتد العزيمة.
فلا يمكن أن ترتجي محبة تطلبها بأسلوب لا يرتقي لمعاني الحب، ولا عملاً لافتاً تطلبه بأسلوب أدنى من معاني الاحترام والتقدير، ولا حماساً يغيب عنه أسلوب التحفيز برقي. فكلما تردى الأسلوب سقطت الوردة من يد المحبوبة، تناثرت الحروف من الورقة ويغلق الكتاب بابه، يغادرك الصديق ويتوقف الحنين، ولم تعد الذاكرة تتسع لك.
كلما تردى الأسلوب، تهاوت مؤسسات، تبعثرت أمم وسقطت دول، ودقت الأجراس على خراب المدن.
فليكن أسلوبك الجمال، لتكن في صوتك نغمة الناي، وعلى لسانك حروف تشفي المرضى وتبري الجرحى وتحرك المشلول، ليكن في مصافحتك الصدق وفي وجهك النور، لتكن ابتسامتك في حضور أبدي، وضياء روحك باتساع القمر، كن بذرة الأسلوب المتنامي في نمط الحياة، المنتصرة للإنسان والأرض والنبات والحيوان والماء والرمل.
كن بهجة لا تغيب.