لعله واحد من أجمل الكنوز المعرفية التي صدرت في الإمارات العام الفائت، ذلك الكتاب الذي أبدعته وزارة الثقافة وتنمية المعرفة وحمل عنواناً ملفتاً هو (استكشاف أماكن التعايش في الإمارات: رحلة معمارية). الكتاب مجرد بداية لمشروع كبير تبنته الوزارة لرصد المباني المعمارية في الدولة كجزء من الذاكرة الوطنية والمجتمعية. وما يلفت النظر في هذا الكتاب القيّم أنه مصمم بطريقة فنية معاصرة تستلهم الإبداعات البصرية في فن إخراج الكتب التي تحتوي على الصور والخرائط. وهو أيضاً ثمرة تعاون كبير بين عدة أفراد ومؤسسات ثقافية في الإمارات.
يقرأ الكتاب في الأشكال المعمارية والتصاميم الهندسية والأبعاد الروحية والإنسانية لنحو 40 موقعاً موزعين على طول الإمارات وعرضها. وهي مواقع معظمها لأماكن عبادة تنتمي لمختلف الأديان، والتي بدورها تمثل مراكز التعايش السلمي الذي عرفه مجتمع الإمارات على اختلاف مراحل التاريخ منذ الحضارات المتعاقبة على المنطقة وحتى اليوم. ويمثل الكتاب البداية من إجمالي المواقع التي تم رصدها وتصل إلى 470 موقعاً، كلها تشكل أرث التعايش الذي تعيشه الإمارات اليوم بمواطنيها وبالجنسيات الكثيرة للمقيمين فيها.
وصلني الكتاب، موقعاً بإهداء من معالي نورة بنت محمد الكعبي وزير الثقافة وتنمية المعرفة، وهي مبادرة نثمنها لمعالي الوزيرة التي وقفت وراء هذا الجهد واستطاعت أن تجمع تحت مظلة الوزارة هذا العمل المشترك لكل هذه الهيئات. ويمكن للقارئ أن يبحر بين صفحات هذا المجلّد متنقلا ما بين المساجد والكنائس والمعابد وبعض المكتبات العامة والمتاحف، ليعيش تفاصيل ما يحدث داخلها من طقوس وشعائر، مع صور كثيرة التقطت من الداخل ورسومات وشروح تشكل في مجملها تكوين وبنية هذا العمل الإبداعي الجميل.
يخلص متصفح هذا الكتاب بمفاهيم واضحة عن دولة الإمارات باعتبارها عاصمة عالمية للتسامح. ويقرأ في البعد التاريخي الذي مهّد لبروز الدولة في هذا الفضاء الرحب، ويستطيع أن يلمس الجهود الواضحة والمستدامة التي ترسّخ لقيم الحوار والقبول بالآخر والانفتاح على ثقافات العالم باعتبار كل ذلك منهجاً إنسانياً أصيلاً، ينبذ التطرف بكافة أشكاله، ويمهّد لقيام مجتمعات تؤمن بالتعددية والاختلاف. وهي قيم تشكل صلب وجوهر سياسة ورؤية الإمارات في تعاملها مع المستقبل والعالم من حولنا.
ستظل دولة الإمارات مهداً لالتقاء مختلف الثقافات، وجسراً يصل الجهات كلها ببعضها، وبحراً ترسوا على شواطئه سفن المحبة، وأرضاً للباحثين عن ركن السكينة والأمان.