لا يمكن للثقافة أن تنمو وتتطور وتنتقل من جيل لآخر بمعزل عن تفاعلها مع محيطها المجتمعي... فعلى مدار قرون خلت، انتقل المنتج الثقافي سواءً كان الأهازيج أو الأمثال الشعبية أو الشعر وحتى الألعاب والرياضات التراثية من الآباء إلى الأبناء عبر المشافهة، لكن تطور وسائل الإعلام وثورة المعلومات التي حدثت خلال العقدين الماضيين، فرض تحديات ومسؤوليات جديدة على وسائل الإعلام، تتمثل في قيامها بمهام إضافية في نشر الثقافة وحفظ التراث....فلا يمكن أن نتخيل ثقافة وفنوناً من دون أدوات ووسائل تدعم جهودها، وتكشف عن مضمونها، وتنشر أفكارها، وتوصل رسالتها إلى جمهور ينتظرها بشغف.
ويتعاظم دور الإعلام في نشر الثقافة الرصينة، والإبداع الإنساني الهادف الذي يحفز ويستنهض طاقات المجتمع، ويدحض الأفكار الهدامة، ويواجه التيارات الفكرية الضالة من خلال نقل الإنتاج المعرفي الرزين إلى المتلقين لأن الفعل الثقافي هو الجوهر الذي تحويه وسائل الإعلام، وهو انعكاس حقيقي للحالة الثقافية التي يحياها المجتمع.
لقد بات على وسائل الإعلام بمختلف أشكالها المسموعة والمقروءة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي، تسخير التكنولوجيا في ابتكار قوالب جديدة تسهم في الترويج للمنتج الثقافي والفني بشكل يواكب النهضة الإبداعية والحضارية التي تشهدها الدولة، فضلاً عن زيادة حضور المحتوى الثقافي في إعلامنا المحلي، مع أهمية ترجمته إلى لغات أخرى، بما يوصل رسالة الإمارات الثقافية والإبداعية إلى العالم، ويعزز من إسهامات مبدعي وفناني الإمارات على الخريطة الثقافية العالمية من خلال تشجيعهم على الاشتراك في أبرز المحافل والمنصات العالمية، وبما يرسي واقعاً ثقافياً وإعلامياً جديداً.. فعلى سبيل المثال، لدينا قامات وطنية فنية كعبد القادر الريس الذي خدم دولة الإمارات نصف قرن من الزمان بريشته، وجال مشارق الأرض ومغاربها بلوحاته الفنية التي تعبر عن التراث والثقافة الإماراتية، ولديه مخزون هائل من القصص الفنية التي ينبغي أن نسلط الضوء عليها ليس في إعلامنا المحلي فحسب، بل على الصعيد العالمي، لأنه أيقونة فنية وطنية، تستحق أن تسطع في فضاء الإعلام... أذكر هنا عبد القادر الريس كمثال فقط، ولدينا قائمة طويلة من المبدعين في الفن والمسرح والشعر والتصميم وجميع أشكال الإبداع الإنساني.
تسهم وسائل الإعلام في ترسيخ التنوع الثقافي بين أفراد المجتمع، وتعزيز التواصل والانفتاح، وإبراز حوار الحضارات والثقافات بوصفه محركاً للتنمية، وجسراً لبناء روح التسامح والتفاهم بين الشعوب بما يحقق السلام والاستقرار والنماء والازدهار من خلال تطوير خطاب إعلامي جديد... دولة الإمارات قادرة على قيادة هذه الخطوة إقليمياً وعالمياً، فلدينا مجتمع متسامح منفتح على الآخر، ووسائل إعلام هادفة تخدم استقرار المجتمع، وتوجه الطاقات نحو تعزيز القيم الإنسانية المشتركة.