يحز في المرء أن يتابع تصرفاً غير حضاري في جهة تعد صرحاً حضارياً معروفاً برقي تعامله مع كافة مراجعيه على أختلاف جنسياتهم ومواقعهم وأعمالهم، فهو صرح للعدالة والقانون قبل كل شيء آخر. حيث يلتمس كل من يقصده التعامل الحضاري عند إنجاز معاملته، ناهيك عن العدل الذي يمثله. والقصة باختصار أن شاباً يعاني من حالة خلقية في وجهه، قصد كاتب العدل بمحاكم دبي، وبدلاً من أن يكبر الأخير في هذا الشاب وأمثاله الحرص على بناء الذات والخروج للعمل وعدم الانعزال عن المجتمع، إذا به ينشغل بسؤاله عن سبب عدم ارتدائه نظارات كبيرة لإخفاء ملامح وجهه، أما الأكثر إيلاماً فعندما بادره ذلك الموظف بالسؤال “من هذا اللي يقودك؟”، من دون أن يدرك مقدار الجرح والألم الذي تسبب فيه ذلك السؤال لشاب يدير بنفسه عملاً ناجحاً خاصاً به، ويشرف على كل صغيرة وكبيرة فيه، ويتابعه بكل تفاصيله الدقيقة بثقة واعتداد عاليين بالنفس، وإرادة قوية تنطلق من الإيمان، وتشجيع القيادة وأجهزة الدولة على تسهيل انخراط كافة فلذات المجتمع، بما فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة وتشجيعهم وتوفير الفرص لهم للمساهمة في مسيرة البناء والتنمية الشاملة التي تشهدها البلاد. عندما التقيت ذلك الشاب في عجمان مساء ذات اليوم الذي كان يراجع فيه كاتب العدل في محاكم دبي، وجدته لا يزال متألماً من كلمات قد يراها صاحبها بسيطة وعادية، ولكنها غير ذلك بالنسبة لهذا الشاب وأمثاله، والتي قد يتقبلونها من شخص عادي أو أمي، ولكن أن تصدر من رجل يمثل العدالة والقانون، يفترض به أن يزن حروف كلماته قبل أن ينطق بها، وهنا تكمن صعوبة تقبل وتبرير مثل هذه المواقف. ونحن متأكدون أنها لا تمثل سوى أصحابها لا ذلك الصرح الكبير لمحاكم دبي الذي يعد مضرب المثل في مستوى التعامل الراقي والحضاري مع مراجعيه وزواره. وأمثال ذلك الموظف يقوضون جهداً كبيراً لجهات عدة في الدولة حرصت على توفير الظروف والمناخات الملائمة لمختلف فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، وجعلها تعتمد على نفسها لتفيد المجتمع وتستفيد في الوقت ذاته من هذه الفرص للاعتماد على الذات، وشهدنا نماذج وأمثلة ناجحة في مواقع ومجالات عدة من مجالات الحياة ما كانت لتبرز وتنجح لولا تهيئة الظروف بصورة متكاملة، واعتماد البرامج والعوامل التي نجحت في استخراج طاقات هذه الفئات، وأساس الأمر استنهاض الهمم بغرس الثقة في النفس والاعتداد بالقدرات والإمكانيات والطاقات الكامنة فيها. كما حرصت الدولة على ضخ الموارد وإقامة المنشآت الخاصة بدعم وتشجيع هذه الفئات، بل وشجعت الدوائر والمؤسسات على أن تكون مبانيها ومنشآتها صديقة لهذه الفئات مهما كانت درجة احتياجاتها الخاصة، ثم نفاجأ بوجود عناصر بشرية غير صديقة لها بكلماتها المؤذية للمشاعر، ولا تحترم خصوصية حالاتها. ومهما اعتذر أمثال هؤلاء، فإن الكلمة القاسية يكون أثرها قد نفذ وجرح أحاسيس ومشاعر إنسان يتسلح بإرادته وعزمه وتصميمه على تحدي الظروف مهما بلغت صعوبتها ولا يطلب من الآخرين سوى شيء من التقدير والاحترام بكلمة طيبة. علي العمودي | ali.alamodi@admedia.ae