إنها زيارتي الثانية لمنزل الدكتورة حصة لوتاه في مدينة دبي، ولكن هذه المرة لغرض العمل، فقد كانت مصدراً في تحقيق نُشر يوم أمس بمجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية حول الأوضاع الثقافية والاجتماعية في دبي نتيجة التغيرات العمرانية وتأثير المدنية والحداثة على حياة الناس، وخصوصاً على أهل الإمارة. والحقيقة أن السبب كان حجة ظاهرية لزيارة منزلها الذي ما إن زرته سابقاً حتى قبع في قلبي ووجداني بتفاصيله الأثيرة التي لم أجد لها مثيلاً في أي مكان عرفته.
«العالم لا ينقسم إلى لونين، أسود وأبيض، العالم مليء بالألوان والأطياف. وحده جهلنا يجعلنا ننسى الألوان الأخرى.. ونتحيز لما تراه أعيننا، محدودة النظر» كتبت الدكتورة حصة هذا التعليق على حساب التواصل الاجتماعي الخاص بها في منصة «تويتر» منذ أيام قليلة؛ والحقيقة التي أقر بها أن هذه السيدة تعيش في قلب العالم من منظور إنساني مختلف عن المنظور الجغرافي المعتاد. فهي تدرك جيداً لذة الأطياف المختلفة التي تحيط بنا، وتعي تماماً السوء الناتج عن محدودية النظر على قلوبنا وعقولنا.
لمن لا يعرف حصة لوتاه أخبره بأنها أستاذة الإعلام وأول مخرجة إماراتية تعمل في التلفزيون المحلي، هي أم وجدة. أكملت تعليمها الابتدائي بعد أن أصبحت أماً، وأكملت دراستها العليا في الولايات المتحدة الأميركية، حتى حصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الإعلام/‏‏‏‏سينما، عملت كأستاذ مساعد في الاتصال الجماهيري في جامعة الإمارات فأصبحت أماً لكثير من الإعلاميين الإماراتيين.
إنها امرأة بسيطة جداً ورغم ذلك تحيطها هيبة حاضرة باستمرار. في عينيها الجميلتين توليفة عصية على الفهم فيها خليط عجيب من شدة البراءة وحدة الذكاء، ورغم صوتها الضاحك إلا أن الحكمة تفيض من كلماتها. أردت أن أحتفي باليوم الوطني في هذا العام بإعلان إعجابي الشديد بهذه الإماراتية الرائدة. عرفتها عن قرب شديد منذ سنوات طويلة، عندما احتضنت رأسي محاولة التخفيف عني من ألم صداع أصابني، فغمرتني بحنان غريب. عرفتها أكثر عندما زرت منزلها الدافئ، وولجت عالمها الخاص بمكتبتها الحائطية الكبيرة التي تلف جدران أكبر غرفة في منزلها -كما أتوقع- تلمست عالمها الروحي عندما صليت في صومعتها الخاصة المنفتحة على كل ما قاله الله وتجاهله البشر، عرفتها أكثر عندما تناولت معها قهوتها الصباحية في منزل مشرع الأبواب على العالم كقلبها.
حصة لوتاه التي لن يصدق أي زائر لمنزلها أنه في ضيافة إحدى أهم رواد العمل الاجتماعي في الإمارات. أعلم تماماً أن الكثيرين كتبوا عنها، وأدرك أني قد لا أقول جديداً في شخصها، ولكن هناك حقيقة وجب عليّ ذكرها، لقد وجدت في هذه السيدة أنموذجاً لمعنى قيم الإمارات، فهنيئاً لك يا إماراتي في عيدك.. بأبنائك.