كان من النادر جداً في مجمل خبرتي الإعلامية -التي تتجاوز العقدين- أن أحظى بالكتابة عن قصص ملهمة من محيطي المحلي والعربي، ولذا وجه إليّ الكثير من النقد بعد صدور كتابي الأول.. العالم امرأة «رؤى في سير وأحداث» عام 2004. كون الكتاب يكاد يخلو من أي شخصية نسائية عربية ذات أثر سياسي ذي بعد دولي. خصوصاً أن السير المعتمدة محل الدراسة تتناول في جزء منها الجانب المظلم من حياتهن، وهو الجانب الذي يتعفف أغلب من هم من ثقافتنا العربية إظهاره إطلاقاً!
أغرمت مبكراً بقصص الملهمين، فأشغلت نهمي المعرفي تجاه قراءة سير الشخصيات المؤثرة، وحظي جزء كبير من قراءتي بالسير السياسية بسبب توافرها في ذلك الحين، ولهذا كان توجهي العلمي ناحية تخصص العلوم السياسية، ولكن والآن مع توافر المعرفة ووسائل نقلها وخصوصاً في عالم التواصل الاجتماعي، أصبحت سير الملهمين في مختلف المجالات متوافرة جداً، ورغم ذلك يغيب عنها العرب من الجنسين! هل فكرتم مرة في سبب ذلك؟!
الأمر -في رأيي- لا علاقة له كما يصر البعض بـ«عقدة الخواجة» بتجاهلنا المتعمد لقصص العرب وكدهم، ولا علاقة له كذلك بأن محيطنا العربي فقير بمثل هذه النماذج كما يعتقد آخرون، إنما بسبب ثقافتنا الاجتماعية التي تعوق أصحاب القصص الملهمة من الحكي علناً عن المعوقات التي واجهوها قبل أن يصلوا لنقطة الإلهام، مما يجعل قدرتهم في التأثير على الآخرين جداً محدودة ومحصورة في أضيق الحدود، وللأسف بشكل مشوه!
الملهمون أناس واجهوا حياة صعبة تخللتها مآسٍ ومِحن تمكنوا من تحويلها إلى منح، وعراقيل كأداء واجهوها بالعمل والإصرار، وظروف استثنائية تعاطوا معها بصبر، لهذا كان وصولهم لأهدافهم مدوياً جداً. وطالما لم تُحكَ هذه الحياة -بكل بؤسها للآخرين- لن تكون ملهمة.
إننا محاطون وللأسف- بعقليات لا تحترم من يتجرأ ويحكي عن البؤس والفشل والعراقيل التي واجهته قبل أن يحقق نجوميته، فتجد من يستخدمها «سُبة» للشماتة والاستخفاف. أتذكر جيداً عندما كتبت مقالاً بعنوان «شكراً ندوبي»، اتصلت بي سيدة أجلها كثيراً ونصحتني بكل حب: «أحببت مقالك جداً.. ولكن لا تكوني بهذه الصراحة، لقد أخذوا صراحتك ضدك»!. شكرتها من كل قلبي.. الذي حدثني أيضا: "أنا لا أكتب لهؤلاء".