لست في منأى حتى لو أقفلت بابك. أيها الخائف من الحب، أيها المُنهمك في الهروب من لذة آلامه ومتعة جروحه وسهر لياليه. هذا لأنك حتى في الخيال، ستصابُ بسهم عينيها. وإذا ركضت على المسامير، ورماك الحاسدون بحصى الجمر، سترى أن ابتسامة من شفتين عذبتين تضمّد روحك وتبث في عروق وعدك أملاً جديداً بالحياة. افتح نوافذ الوحشة إذاً. قم من جهل معناك وقل لطائر البهجة أن يعشعش في رأسك، لا تخف. ذلك لأن الحب مجرد شجرة كلما عانقتها تكبرُ، وتتفرعُ أغصانها بعيداً في الكواكب النجوم. وسترى بأم عينيك، أن الحب هو بؤرة العالم، وهو مركز المجرّة الذي تدور حول نبعه كل الأشياء والكلمات في الكون.
الحب أيضاً هو طاقة الحياة وأصلها. عندما تحدّث الحكماء عن وحدة الوجود، فان الرابط الذي يجمع كل الموجودات هو الحب ولا شيء غيره. وعندما يعتزل الرهبان في الكهوف لسنوات بحثاً عن الحقيقة، فإنهم في النهاية يدركون بأنها الحب. والرجل الذي يريد أن يتطهّر من ندوب الماضي ويقفز إلى مستقبل الحرية والألق، لا بد له أن يعتنق المحبة مذهباً، وأن يتخذها جسراً للوصول ومعانقة الخلاص. والمرأة التي تحلم أن تدخل غرفة النور، وأن تغمرها الشفافية وترتفعَ بها إلى مرتبة الملاك، هي المرأة التي تعصر قلبها حتى آخر قطرة كراهية، ثم تقدمه قرباناً للشمس كي يشع نور المحبة في العالم كله.
تعال معي أيها الباحث عن الطريق. ليست الخطوة من سيوصلنا إلى هناك، ولكنها النيّة الخفيّة النائمة في القلب. بدلاً من الصمت، سنختار الكلمة الصافية. وبدلاً من التعلّق بما يزول، سنختار أن ندع الأشياء تذهب إلى حيث تريد. لسنا أوصياء على العالم، ولكننا نزرع الضوء سلّماً لنرتقيه نحو خلاصنا. لن نقول للجنّة انتظري، لأن الزمان في الحب مطلقٌ وأبدي ويتجلى لنا الآن هنا دائماً. ولن نقول للحرية إننا آتون غداً، لأن المكان، في اتساعه اللانهائي، بلا حواجز أصلاً. والروح المحبة مسكنها المدى، وأفق مسعاها لا تحده أرضٌ ولا سماء.
تُرى، هل نقترب من الحب يوماً، ونقفز في نهره، ويجرفنا عطره إلى الذوبان في قداسة المستحيل؟ وإذا يوماً كتبتُ اسمها على جناح غيمة، هل سيرفعني الهواء إلى التلاشي لحناً في أغنية الكون، وأنا في الأصل نغمة شاردة؟