كل عام نقف لحظات صغيرة لندير الفكر في العام الذي مرَّ سريعاً مثل لمح البرق، لم نقبض على شيء غير كم من الذكريات التي يمحوها الزمن أيضاً سريعاً. نحن مجبولون على المضي قدماً، سواء بإرادتنا أو من دونها وبحكم صيرورة الحياة. قد نقبض الريح وقد يمنحنا الوقت فرصة أجمل وأروع الأوقات، تعلمنا الأيام أن لا شيء يدوم أبداً، وأيضاً لا شيء يستحق أن نذرف الدمع عليه كثيراً، قد نتذكر كثيراً ونحزن كثيراً على من غادر هذه الحياة ولم نوفه حقه أو شيئاً مما يستحق، ولكن هكذا هي الحياة ماضية إلى المرافئ البعيدة، سواء على الخصوصيات جداً أو على المستوى الأسري أو الرفاق والصحبة أو ركائز العمل الثقافي والفني أو الاجتماعي.
كل عام نودع تاريخاً لنا مع أناس يظل زمنهم وذاكرتهم باقية مهما ينقص النسيان شيئاً من جوانبها الجميلة والرائعة والنبيلة.
يمضي العام سريعاً وكأنه ساعي بريد أوصل الرسائل لأصحابها ثم مضى، نظل ندقق في التجارب والأيام والأحداث، وقد لا تعود مثل جمال بعضها وروعتها، وقد يأتي الأجمل والأكثر روعة، وهذا ما يجعلنا دائماً نرى الجميل القادم نسعد ببدر وهلال يهل ويطل بحضور الجديد، نصحب رحلته حتى يصبح قمراً منيراً وإنْ جاءت سحب وحجبته بعض الوقت فإننا نزرع الأمل في بساتين الأيام والأسابيع والشهور بأن الإشراق والمستقبل هو الغاية المنشودة والأمل المزروع فينا مثل غابة نخيل صاعدة إلى السماء ومثل عوانات مثمرة وزاهية بالرطب الجميل ذي اللون الأحمر والأصفر والأخضر.
لا تلتفت إلى الخلف طويلاً وتمرّح جمالك وإبلك عند مراح كثرت فيه «القراد» واحتلته أسراب «السماسيم» والنمل أو الجرذان!.
امضِ بعيداً.. اقطع الفيافي.. اجعل سيرك نحو المرابع الخضراء أو الرمال الذهبية في صحراء تغني للحياة والجديد دائماً أو اعبر البحر إلى الموانئ والمراسي الحالمة والضاحكة للحياة بالبشر الذين يفِدون من كل حدب وصوب حاملين أغاني عذبة ورائعة وحالمين بآمال جديدة وحياة جديدة، تعلّم أن تغني وتغرّد نشيد الفرح مثل البلابل التي تعزف لحن الخلود والحب للنسيم والأزهار وورود الحياة.
العام الجديد هذا يفتح صفحة جديدة بيضاء لك، فارسم الورد وعصافير صغيرة ملونة وبالونات مزركشة مثل أزهار بستان وروابي زاهية، لا تنظر إلى الخلف أبداً فالذي قد مضى أخذ زمنه وحقه ووقته ثم ودع الوقت.
عام جديد حافل بالفرح والأمل يطل ونحن نعقد عليه آمالاً كثيرة بأنه الأجمل والأروع لقادم أيامنا، فأهلاً بالحياة والجديد..