الأرض هي موطننا الأبدي، هي بدايتنا ونهايتنا، هي أمنا جميعاً وحاضنتنا الأخيرة، لنتحلل فيها ويتشكل غيابنا الأخير من عليها، لكن إلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الأرض في جمعنا ورعايتنا وحفظنا من التلاشي الأبدي؟ إلى أي مدى يمكن لها أن تكون آمنة ولا تثور علينا بحرائقها وبراكينها وتغيير الطبيعة فيها؟ إلى كم من الزمن ستبقى تقبل أن تُستغل كل هذا الاستغلال الفادح من الإنسان الذي يسعى إلى المزيد من المال وإلى مزيد من الثروة والاستهلاك الخارج عن المعقول؟
إن ما تشكل على مدى مسيرة تطور الإنسان منذ النار الأولى، إلى اختراق الطبيعة بكل ما فيها من خيرات، (الأشجار والماء والتراب والهواء) أصاب الأرض وأعياها حد الخوف الذي بدأ يظهر حتى على كل أولئك الذين اعتدوا عليها ونهبوا من خيراتها الكثير وأتخمت خزائنهم، خوف أمام هذا الانحدار الهائل لصحة وسلامة الأرض التي تشير كل المؤشرات بأنها تشهد انتكاسة كبيرة على صعيد المناخ، من ارتفاع درجات الحرارة، إلى ذوبان الجليد وارتفاع منسوب المياه، اتساع رقعة التصحر واختلال في جودة الهواء.
تماماً مثلما صرخ أنصار الطبيعة منذ سنين للتدخل من أجل حماية الأرض من الاعتداء الجائر على خيراتها، والتوحش الهستيري للرأسمالية، بمصانعها وإغراق الأسواق بكل ما ينفع وما لا ينفع، وبإهمال تام لشروط الحفاظ على سلامة الأرض والمناخ.
ومثلما تنبأ الفن بكل أشكاله وخاصة السينما بما يمكن أن يحدث لواقع الأرض، إذا ما تم الإهمال والتراخي في التدخل للحيلولة دون حدوث الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وإبادة التوازن البيئي.
في قمة «الفرصة الأخيرة» لزعماء العالم بغلاسكو الإسكتلندية لإنقاذ المناخ، شهدنا تدخلاً بمليارات الدولارات لحماية المناخ والذي لا يتم طبعاً إلا من خلال حماية الأرض أولاً، تدخلاً نتمنى صدقاً أن يكون حقيقياً، فيه يتم تحمل المسؤولية التاريخية لإنقاذ الأرض، إذا ما كنا نريد أن نكون وأن تبقى سليمة لمن سيكونون بعدنا.
لكن هل تكفي هذه الأموال الطائلة لحماية الأرض، وحماية الإنسان عليها من المصير المظلم؟
يشكل دور الحكومات جانباً مهماً من أجل حماية الأرض، من خلال اتخاذ الإجراءات التي تحد من انبعاثات الكربون وما شابهه من صناعات وآلات ذات الانبعاثات المضرة بالبيئة، لكن هناك أيضاً دور أساسي للأفراد والمجتمعات من خلال تكريس الثقافة البيئية لدى الأفراد، بوعي يبدأ من رمي النفايات إلى الاستهلاك وإعادة التدوير. فالأرض ليست من مسؤولية الحكومات فقط، بل للأفراد أيضاً دور كبير بوعيهم وإدراكهم لأهمية السلوك البيئي.
فأن تعيش حياتك بخير وصحة وسلام، لا يعني مطلقاً أن تترك للقادمين من بعدك المرض والنار والخراب والدمار، فهذا ليس من حقك أبداً، أبداً.. فالمسؤولية تجاه الأرض واجب وفرض ينتقل عبر الأجيال والزمان.

سعد جمعة
Saaad.alhabshi@alittihad.ae