كلما وقعت عيني على توماس توخيل مدرب بايرن ميونيخ، خلال فاصل الذهاب المثير والجميل لنصف نهائي دوري الأبطال، أمام ريال مدريد، أتساءل مستغرباً لا مستفهماً، أهذا هو الرجل الذي أبلغت إدارة النادي «البافاري» 21 فبراير الماضي عن رحيله عن رأس القيادة الفنية للفريق نهاية الموسم الحالي؟
من أين جاءت هذه الجرأة لحكام «البايرن»، حتى يبقوا على مدرب أجمعوا على أنه ليس الخيار الأفضل لهم، ولا هو «الربان الفني» الذي يصلح لقيادة السفينة البافارية في بحر التحديات؟
ومن أين لتوخيل، بكل هذا الهدوء والحكمة والصبر على ما تفوه به سادة الفريق «البافاري» علناً، وقد أجمعوا على إقالة موقوفة التنفيذ؟
يبدو المشهد لنا، نحن العرب، سوريالياً، أو هو من صنيع الخيال، ونحن إن استبد بنا الغضب الساطع بسبب تراجع النتائج، ضحينا بالمدرب، وإن قررنا إقالته أو دفعه للاستقالة، مشينا على جثته، وحتى قبل أن يوقع على الانفصال الحيني أو المؤجل، ذهبنا للتو بحثاً عن من يعوضه، وإن حكوا لنا عن الذي يقع مع توخيل في بايرن ميونيخ، وما يحدث مع يورجن كلوب بليفربول، قلنا عن ذلك، إنه الجنون والعته، والحقيقة أن ما لا نستطيع تفسيره علمياً نسميه خيالاً، وما لا نربطه بالمنطق نسميه جنوناً، والعيب في حوكمتنا التي بها «عور» كبير.
أدت إدارة «البايرن» جزءاً من الضريبة التي فرضها الكشف علناً عن الانفصال عن توخيل مرفقاً بالتعليلات الفنية، فقد تسبب هذا الرشح الشتوي في نوبات كثيرة ضربت الفريق «البافاري»، ليجد نفسه متخلياً عن لقب «البوندسليجا» الذي احتكره 11 مرة متتالية، وليسقط أيضاً من كأس ألمانيا على يد ساربروكن أحد أندية الدرجة الثالثة، لكن ما كان من طاقة صبر لتوخيل فجرها في دوري الأبطال، وقد أخرج من أدوار خروج المغلوب لاتسيو وأرسنال الإنجليزي، ليبلغ نصف النهائي، بطريقة قال عنها رئيس «البايرن»، «إنه استعراض تكتيكي من توماس»، ليس هذا فقط، بل إن قرابة 18 ألفاً من مناصري «البايرن» وقعوا عريضة تطالب برفع الإقالة عن توخيل والإبقاء عليه مدرباً.
عريضة التمست لتوخيل أعذاراً لم تلتمسها له إدارة البايرن، من قبيل سهام النقد الجارحة التي وجهت لصدره، وتكالب الإصابات على لاعبيه وعديد المعطلات، وكان الجميل في هذا كله، أن توخيل لما سُئل ليلة مواجهة الريال، إن كان قد تأثر لهذه المطالبات الجماهيرية ببقائه، أجاب بالحكمة التي يتمتع بها الألمان: «برغم أن كل هذا صحي وجميل، إلا أنني لا أريد أن أتأثر به، لا أريد أن أكون شماعة، الأولوية هي للملعب».
وما أظهره توخيل في ملعب أليانز أرينا، خلال فاصل الذهاب، يؤكد أنه مثل الشجرة يموت واقفاً، ويترك جذوره في الأرض عميقة، فيا لروعة الأمثلة!