قص الأثر، أو القيافة عند العرب، علم قديم، ذكر في كتاب قصص العرب، تخلى عنه وغيب في وقتنا الحاضر، وفي عصرنا الحديث ظهرت تقنية تتبع الأشياء عند فقدها، وحينما أضعت سماعة هاتفي، ظلت السماعة مفقودة لأيام ثلاثة، لا تستجيب للبحث التقني، وكأنها مطفأة تماماً، حيث لم أتلقَّ منها إشارة واحدة، بما يوحي بأنها مفقودة في مكان ما، لكن فجأة أشارت تقنية التتبع إلى مكانها، وفي طرفة عين أحالني نظام التتبع إلى اتجاه حديقة الريم بمحاذاة ضفاف البحر، بشارع العود، ربما سمي على آلة العود، أو ربما كانوا يقصدون العود، باللهجة المحلية وهي شطف العود المعطّر، ذات رائحة تفوح إذا مسها الجمر، وتسمى هنا الشوارع بما يليق بقيمها التراثية العريقة.
اعتدت أن أكون من رواد حديقة الريم وفضائها الآسر في الشتاء الرائع، إنها مكمن هادئ وجاذب لعشاق الطبيعة، وممارسة رياضة المشي، ويفد إليها قراء الكتب والروايات، وفيها جانب عائلي، حيث يطلق الناس أطفالهم ليمارسوا هواياتهم الترفيهية الممتدة على طول الساحل، وفي أرجاء الحديقة.
ظل نظام التتبع يرشدني إلى مكان السماعة المفقودة، لم أعتد الجانب العائلي من الحديقة بما فيه ضوضاء الصغار، قلت ربما يد ما حملت السماعة وألقت بها بعيداً عن مكاني المعتاد، لم ينتهِ نظام التتبع من مهمته، إلا بعد أن أوصلني بالقرب من عائلة أجنبية لديها رضيع أزرق العينين، فرح المحيا، بهي الملامح، تركه أبواه يحبو من حولهما، والسعادة تعلو محياهما.
ظل جهاز التتبع لا يحيد عن الطفل الرضيع، فجاء بمخيلتي بأن الطفل ربما ابتلع سماعة الهاتف، من دون علم والديه، قلت ربما كنوع من دعابة الباحث عن شيء مفقود، حين يأخذه الخيال أحياناً إلى  التصورات والشكوك الغريبة، وهكذا استمر البحث من دون جدوى، وظلت السماعة أسيرة الضياع، وربما انتهت لدى شخص مجهول، هذا ما قاله حارس الحديقة، عندما ظلّت الإشارات تأتي باستمرار، وحتماً تجاهلتها، ولم أتجاهل رحلة تقفي الأثر وموهبة علم القيافة والحكايات الجميلة في الحارات القديمة، وفي البادية، حيث كان يلجأ إليها البدو الرحل في حال فقدت الإبل في الصحراء. إنه علم جميل ومواهب من النادر الآن الحديث عنها، لكن فشل التقنية الحديثة في تتبع سماعتي الضائعة أعادني للحديث عن علم قديم أصيل وجميل هو علم قص الأثر أو القيافة عند العرب.