قريباً سنودع رمضان شهر المحبة والسلام، ونستقبل عيد الفطر المبارك، ونحتفي به بالفرح والبهجة، لكنني في شهر رمضان تعود ذاكرتي للنبش في التراث العربي الإسلامي. فما الرابط بين رمضان وبين مدونات التراث؟ عن أي شيء أبحثُ فيه ليعينني على مشقة الصيام؟ أو ليعيد لي ذاكرة حضارة سادت ولم يتجاوزها الزمن، أم للتنقيب في تراث نسيناه على أرفف المكتبات؟ والبحث في التراث في شهر رمضان ليس مقتصراً على مجال، بل إنه المورد اليومي طوال الشهر لأجهزة الإعلام بتنوعها الهائل: الصحف والفضائيات، ومواقع «الإنترنت»، وأبحاث الدارسين، والمنظرين والخطباء. وإذا كان الترابط بين رمضان وبرامج إعداد الطعام وتنوع أصنافه، التي تبثها الفضائيات على تعددها وتعدد ساعات البث، والصحافة وملاحقها، يومية كانت أو أسبوعية، تبرره سلطة الإعلانات، فإن الترابط بين رمضان والنبش في كتب التراث، أمر يعجبني شخصياً، فكتب التراث تعيدني إلى ذاكرة أصبحت منسية تحت وطأة التكنولوجيا المعاصرة وشبكاتها الاجتماعية التي باعدت بيننا وبين تقاليدنا الموروثة في شهر رمضان المبارك. فحين نتأمل بعض تقاليدنا الطيبة في شهر رمضان نلاحظ أن في هذا الشهر كان يلتئم شمل الأسر المتفرقة تحت وطأة الحياة ومشاغلها· فعلى مائدة الإفطار يجتمع الأبناء والأحفاد، فيما يشبه العودة إلى أحضان الأم· ويتذكر الجار جاره، كما يتذكر الأقرباء أقرباءهم البعيدين· وكأن رمضان هو شهر التآلف والمحبة والتسامح، واستعادة العلاقات التي تقطعت بين الناس· وبالمقارنة، هل تشبه عودتي إلى قراءة مدونات التراث تجمّع الأسر المتفرقة على موائد الإفطار؟ هل التراث هو عائلتنا التي نسيناها تحت سلطة إيقاع الحياة المتسارع، ومشاغلنا المتشعبة؟ هل أن العودة إليه تشبه الرغبة في العودة إلى أحضان الأم، أو محيط العائلة المطمئن؟ شخصياً أريد أن أعتقد ذلك. ففي العودة إلى قراءة مدونات التراث ثمة إضاءة لبقعة معتمة في الذاكرة المعرفية، لكل إنسان معني بالقراءة، أو كما نعلق مازحين على المنشغل دوماً بالقراءة (مصاب بسوسة القراءة)، لكن في التراث ثمة مفارقات لا تستقيم مع التأويل والتفسير. لكن معرفة العيوب جميلة كمعرفة الشمائل· وإلا فكيف نفرز وننتقي، نختلف ونتفق. كيف ننقي ذاتنا المفردة ونتمايز عن غيرنا؟ التراث ذاكرة نعود إليها للتنبه لنعي المخزون الذي تنطوي عليه ذاكرتنا الثقافية، لنكتشف كيفية تشكل شخصياتنا هذه، كما نعرف أسباب تقدمنا في كل شهر وكل عام.