سرت في الشوارع لمدة ساعات وقد طرق المطر نوافذ القلب كما فتح عيني على مشهد يرفع الرأس، إنها فاتحة خير وبشرى فضيلة، كان الوقت صباحاً والمكان شارع الأصايل في مدينة خليفة، والمشهد يشير إلى علامة فارقة في القيم الإماراتية والوجوه الشابة تتألق بمعنويات فائقة في الجمال، شباب وأشبال من هذا الوطن الجميل يقفون كتفاً بكتف مع رجال الشرطة وصناديد الدفاع المدني  يشمرون عن السواعد السمر، ويرفعون الهمة  ويزيحون الغمة عن كاهل من تورطوا تحت زخات الغيمة السمراء، ويملؤون الشوارع بقمصان بللها المطر ومنح مرتديها جمالاً، حيث الانكفاء على ظهور السيارات المعطوبة  والذود عن المحسورين ومساعدة ذوي الحاجة الملحة، هؤلاء هم عيال زايد، هؤلاء هم من تشبعوا بقيم الرجل النبيل، طيب الله ثراه، هؤلاء هم الذين يلبون نداء الضمير ساعة الملمات، ويقفون كالصقور الشامخة معتدين بسماحة القيادة الرشيدة وسجايا أهل هذا الوطن الجميل.
مشهد يرفع الرأس ويضرب مثلاً للتكاتف والتضامن، واندماج الكل بالكل، ولا أحد هنا في هذا الوطن يقول: (ما يخصني) بل إن ما يلفت النظر، ويجعل الإنسان يشعر بالرفعة وشموخ الرأس عندما يجد في مثل هذه المشاهد ما تدمع له العين فرحاً، وما يرف له الفؤاد طرباً، وما تتفتح له نوافذ الوعي اعتزازاً، كل ذلك حدث خلال اليومين اللذين مرا  ومرا بسلام، لأن الوطن تحرسه عيون العشاق، ولأن الوطن تحميه سواعد رجال ما نامت أعينهم، والوطن يمر في ظرف استدعى أن يقف الجميع يداً واحدة وقلباً واحداً، وهذه ليست غريبة على عيال زايد، هذه ليست صدفة، وإنما هي قيم تربت في الضمائر وإرث قويم نما وشع وملأ الشوارع نوراً تضيئه الوجوه السمحة، وهكذا يشعر الإنسان أن الإمارات بخير طالما اصطف الجميع في رعاية الشأن، والعناية بالأمن بلباقة المخلصين ولياقة المحبين وأناقة المنتمين إلى الأرض، كأنهم السدرة التي تجذرت في البيت، وكأنهم النخلة التي غرست شجونها في تراب الوطن.
مشهد يرفع الرأس وأنت ترى هذه السواعد الغضة تمتد للمدى، وتحرس الآخر بكل شجاعة ومناعة، ورغم اشتداد ضربات المطر، إلا أن هؤلاء الرجال كانوا يسمون النفس رخيصة في سبيل إنقاذ الذين حاصرهم المطر، والذين توقفت عرباتهم ولم يمتلكوا الحيلة للتصرف إلا بهمة من تسلحوا بعادات الأهل، والناس الذين صنعوا هكذا وطن يبدو جماله في تعاون أهله حتى صار التعاون رسالة إنسانية تميزت بها الإمارات، وحازتها بامتياز لا يشبهه إلا وطن كوطني الإمارات.
وكلما تنقلت في شوارع المدينة أو خارجها، تجد رجال الوطن يبصمون بكفوف المودة على أجساد آلة النقل، ويحملونها إلى حيث السلامة وسلامة أصحابها، وهذه تستمر معك حيثما توجهت وحيثما رصدت، لأن التضامن الإماراتي ليس صدفة بل هو علامات بارزة وراسخة غرسها تاريخ طويل من التنشئة والتربية المثالية.
واليوم نقول: طوبى لكم أيها الأفذاذ، وطوبى لوطن هؤلاء هم رجاله.