بعض الناس يعتقدون أن لديك كل الحلول لأشيائهم الصغيرة المتناثرة، وتفاصيلهم اليومية المبعثرة، وأسئلتهم المفاجئة والغائبة عن العين، ومد البصر، وخاصة من قبل الزوجات المصونات، ربات الستر والخدور، أمهات الدور، مثلاً.. تكون جالساً بعد صلاة الفجر تحسب خسائر المنخفض الجوي الهدير، وآثاره المترتبة على المنزل، وتحدد أولويات الإصلاح والصيانة والتبديل، وهل تبدأ بالبوابة أم السطح أو مكائن المكيف المركزي أولاً، وفجأة تظهر الزوجة في المشهد المنزلي، لا تعرف ما هي دواعي تلفتها، ولا سبب انزعاجها ذاك الصباح، وتقول في نفسك: والله إن قالت مشككة في نواياي، وهي تراني أناظر شاشة النقّال من خلف النظارة الطبية مثل بقّال عجوز في حانوته، وادعت كعادتها: «أنت مب بسك من هالمراسالات مع الحريمات في هالتيلفونات»! أن أحلف أن لا أحط طابوقة جديدة في بيتها الذي تحبه يصلق ويبرق خارج الأنواء والأجواء المناخية، وخلها تتم تهاذي ليل نهار: «متى بتصلح البيت»؟ لكنها بعد الكشف وسبر الزوايا، وجدتها تصرخ في وجهك متسائلة: «وين حطيت تلفوني»؟ طبعاً السؤال لا يخصك، لكنها تريد عليه إجابة بعد تعبها، فتعاود غاضبة: «يا ربي وين حطيته»؟ فتحاول أن تساعد بالقدر الذي تسمح به الرجولة تجاه أنثى عزيزة، فقدت شيئاً عزيزاً، فتقترح عليها أربعة أماكن في المنزل محتملة، ويمكن أن تخبئ الضائع والمتروك، لكنها بتسرعها تحزم الموضوع، وأنها فتشت فيها مرتين دون جدوى، المهم أنها أدخلتك في دوامة جديدة، كنت في غنى عنها في ذلك النهار الذي لم تنته فواتيره بعد، وحين تجد هاتفها لوحدها مندساً بين «الريموتات كونترول» للتلفزيون والمكيف والإضاءة والستائر، لا تشك في أحد غيرها وضعه في ذلك الترتيب الأبجدي، تهدأ قليلاً، ثم ترجع بعد بُرهة، سائلة، خاصة وأنك مواجه إياها الوجه بالوجه طوال اليوم بسبب التقاعد المبكر، وفشلك في إنجاح شركة الصيانة العامة التي فرحت فقط بـ «كرت البزنس» المكتوب عليه: «رئيس مجلس الإدارة، والمدير المفوض»، وكل رأسمال الشركة «مكيتب» صغير في «الميزانين» في عمارة من أربعة أدوار في مصفح، وأربعة عمال رواتبهم غير منتظمة.. تلجمك الصرخة الجديدة، وسؤال الزوجة غير الضروري: «وين نعالي»؟ تفغر فاك، وتقول في داخلك: «والله لو لقيتها لأنوي بها بطول أيدي»! المهم.. تتم الزوجة الغالية تحوط في البيت تتبعها أسئلة تفاصيلها اليومية: «وين الشغالة ما شفتها اليوم»؟ «شو مسوّي الطباخ اليوم ريوق»؟ «منو بيوديني اليوم «الجيم»، ما في مواقف في الخالدية»! «هذا الدريول يتأخر وايد لما يوصلّ الأولاد المدرسة، وبعدين سواقته تلوع بالكبد»! 
طبعاً كل تلك الأسئلة هي خارج نطاق تفكيرك واهتمامك، بل هي أسئلة مشتتة للذهن، وطاردة من البيت، ومدعاة لخصام لن يمر بسهولة، لكنك مجبر على سماعها يومياً، وفي ظل ساعات الدوام الطويل في البيت بعد التقاعد القسري، وبعد إفلاس الشركة.
ترا.. تلك الأسئلة غير الضرورية، والتي لا تخصك، لكنك مجبر على الإجابة عليها لتنال درجة الرضا اليومي، لا يخلو منها بيت، ولا تتوانى حرمة عن طرحها في أحلك ظروف الرجل، وعليك أن تكون على أهبة الاستعداد الكشفي، لأن مثل تلك الأسئلة تتعدد وتتنوع حسب المناسبات، وحسب الاحتياجات، يعني مرة تأتي بطريقة صاعقة: «وين فستاني البني»؟ وعليك أن تتذكره أولاً، وتحدد موقعه في أي «كبت» ثانياً، وثالثاً في أي غرفة من إحداثيات المنزل الذي رجّه المنخفض الجوي، وجالس تحسب فواتير إصلاحه!