في شهر يوليو من العام الماضي 2023 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن خطة عالمية جديدة لإحلال السلام حول العالم، وفق مشروع «الخطة الجديدة للسلام»، والتي تتضمن توصيات للدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالعمل على إرساء نظام عالمي متعدد الأطراف، أكثر عدلاً وترابطاً وفعالية، باعتباره الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق ولمواجهة مجموعة متشابكة من التهديدات العالمية ولتحقيق وعود ميثاق الأمم المتحدة في أنحاء العالم وإقامة عالم مستقر ومزدهر. إن الحقبة التي نعيشها مشوبة بأعلى درجات التوتر الجيوسياسي والتنافس بين القوى الكبرى منذ عقود، والدول الأعضاء باتت تشكك في جدوى النظام متعدد الأطراف بالنسبة لها، حيث باتت انتهاكات القانون الدولي أكثر انتشاراً، كما أن الصراعات أصبحت أشد تعقيداً وفتكاً وأكثر استعصاءً على الحل، فضلاً عن حالات الطوارئ المناخية التي صعّدت المنافسةَ على الموارد ورفعت منسوب التوترات. وإضافةً إلى ذلك فإن الحرب في أوكرانيا جعلت مواجهة تلك التحديات أمراً أصعب، على حد قول غوتيريش في تصريحه المنشور على صفحة الأمم المتحدة في الشبكة العنكبوتية.
يمر العالم هذه الأيام بحالة من تفاقم الحرب والعنف، لا سيما منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي في غزة، ولا نعرف كيف ستنتهي هذه الحالة، بل لا نعلم هل ستنتهي أم ستتصاعد. وبحسب المعطيات فإن أحداث السابع من أكتوبر فتحت جبهات عدة بين إسرائيل و«حماس» من جهة، وبين إسرائيل وإيران من جهة أخرى. وهذا بالإضافة إلى التوترات في المياه الإقليمية للبحر الأحمر، والتي ما تزال تشكل خطراً قائماً من جانب ميليشيات الحوثي التي تواصل انتهاكاتها ضد خطوط الملاحة البحرية متسببةً في عرقلة سير السفن التجارية. لذا فالتوترات في تصاعد مقلق، لاسيما بعد الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وما أعقبه من رد إيراني مباشر عبر إطلاق 185 مسيرة و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض-أرض على الأراضي الإسرائيلية، وهو الأمر الذي حوّل أنظارَ العالَم من حرب غزة إلى ما يجري بين طهران وتل أبيب. ومهما يكن فإن هذا التوتر لا يبشر بمستقبل مستقر لمنطقة الشرق الأوسط، إذ إننا أمام قوتين إقليميتين داخل نظام عالمي متعدد الأطراف وتحالفات دولية تتكئ كل منهما فيها إلى معسكر مضاد وقوي.
والواقع أن العنف يتصاعد بينما تتزايد مخاطر انتشار التسلح في غياب خطة للسلام على أرض الواقع، وفي الوقت ذاته تتراجع كل فرصة للهدوء والاستقرار خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. ولا مجال لرفع سقف التوقعات بشأن سلام شامل ينضوي تحت قرارات الأمم المتحدة في حال بقي الحال كما هو عليه. ويتعلق الأمر أولاً وقبل كل شيء بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والعمل الجاد على ترسيخ ودعم «حل الدولتين» كجزء من إنهاء دوامة العنف في المنطقة، وهي دوامة بدأت تتمدد لتصل مناطق كانت آمنة، حيث تسعى بعض الأطراف في المنطقة لجعلها ساحةَ حرب وعنف لتتوسع الدائرة أكثر فأكثر. والأمر هنا منوط بالأمم المتحدة لتطبيق مقترحاتها للسلام والتوصيات الخمس التي تشدد على التصدي للمخاطر الاستراتيجية والانقسامات الجيوسياسية عبر إزالة الأسلحة النووية في أول إجراء لأول توصية جاءت في مشروع «الخطة الجديدة للسلام».

*كاتبة سعودية