الهدوء والسكينة والتروي والطمأنينة وطول البال والتمهل والتريث والحلم، كلها ولدي المزيد من تلك الكلمات التي ترجح روح الإيجابية في الحياة، وتقصي السلبية من دروبنا ومعاملاتنا وتعاملنا مع الآخر، ما الذي حدث في الدنيا؟ جميعنا يعاني، وجميعنا لديه أسبابه للنفور والتوتر والقلق، ولكن بمقدار وتعقل، وجميعنا لديه مشكلاته الكبيرة والصغيرة، لكن لا بد وأن نحيّدها حين نتعامل مع الآخرين، لأنه ما هكذا تورد الإبل يا قوم!
قبل الجائحة كنا نعذر الملاسنة والمخاشنة والاحتكاك، لأن الحياة كلها تقارب، والناس في زحمة من أمرهم في كل مكان، والواحد منا يقابل في كل ساعة وحين وجوهاً غاضبة، وأخرى محتقنة، وأخرى مستعدة أن تتعارك مع الذباب الطائر حول وجهها، لكن اليوم وبسبب الجائحة نحن في تباعد اجتماعي حد التجافي، والواحد منا لم ير أخاه منذ قرابة ثلاثة أشهر، والزملاء في العمل نشاهدهم مثلما نشاهد مذيع نشرة الأخبار، والناس أصبحت لا تخرج بسياراتها في الشوارع، ولا تشكو من الزحمة، ولا قلة المواقف، حتى الرادارات هذه الأيام تخجل أن تشتغل، كله مراعاة لظروف الجميع، إذاً من أين يأتي كل هذا الشد والجذب والملاعنة، والتنابز، الواحد ما يقدر يكمل جملته المعتادة: «أنا أعتقد أن الموضوع..»، فيظهر له ألف سيف غاضب: «لا تعتقد، ولا شيء، والموضوع ما فيه أن، وكلامك قبل ما تقوله مردود عليك، وخلّ عنك هذه السوالف، واعرف قدرك، ونحن بفضل دولتنا الرشيدة بخير، وأنت وأمثالك تصطادون في الماء العكر، والله لولا التباعد الاجتماعي، لكنت شفت شيئاً ما شفته»! طيب الأخ الفاضل أو الأخت المتسائلة ما قالوا غير جملة ناقصة: «أنا أعتقد أن الموضوع»، فكتم المضللون أنفاسهم، وفسدت الفكرة، واتسعت الساحة، والكل يسعى بدلوه ليدلوه أو يورده مورد الظمأ.
هذا حالنا هذه الأيام، الكل متربص بالكل، والكل يريد أن يفك غيظه في الكل، نشتهي أن نرى شرارة لكي نذكي من نارها، من يرى ساحتنا الإعلامية، ومنصاتنا الافتراضية، وشباك التواصل الاجتماعي يدرك هذا، ويدرك أن الجميع يريد أن يخوض مع الخائضين، بصراحة.. ليتهم يعجلون بافتتاح المساجد، ويعيدون الدوري المحلي، وتبدأ مباريات أندية أوروبا حتى ساعات متأخرة من الليل، ويفكون السفر، ويلغون التعليم عن بُعد، ويكتفون بسويعات للتعقيم، ويقرون التواصل الاجتماعي، والتباعد الزوجي، علشان يهدأ محبو التخاصم والتناوش من بعيد، ويتريث المستعجلون في الحكم والأحكام، ويلين المتخشبون، وتفتر ثغور المتجهمين، ويصلح من موقف اللوامين، ويتغير حال الناس الذين أصبحوا في المجمل مثل «الشِلّق»!