مع فيروس كورونا، طغت، وتطورت، وتهورت، وتدهورت، النفس البشرية، وعادت إلى نظرية المؤامرة، كحد السيف الذي من خلاله تراوغ عن نفسها فكرة الجهل بما يحدث.
أصبحت النساء، والأطفال، وحتى الرضع في أحضان أمهاتهم، يتحدثون عن مؤامرة ما حدثت، وأن ما يتم تداوله عن أن الفيروس هو نتيجة تطور طبيعي لفيروسات سابقة مجرد هراء.
هكذا أصبح الجميع، محللين، ومفسرين، ومنجمين وكهنة، وصارت أصابع الاتهام تشير إلى هذه الدولة أو تلك، ولم تنجُ دولة في العالم وإلا وقذفت بأوهام ما قبل النوم.
لا نريد أن نبخس هؤلاء حقهم، فالمصاب جلل، والكارثة عظيمة، والمخالب طالت الجسد البشري، ولم تفرق بين دولة عظمى أو صغرى، ولكن عندما تصبح نظرية المؤامرة كطي السجل، تطوي العقل البشري، وتجعله ينسى أن لا عاقل قد يجرؤ على فعل مثل هذه الجريمة، وبخاصة أن العالم اليوم أصبح يرسو على ظهر سفينة واحدة، ولا حدود تمنع التواصل بين البشر، وأن مريضاً في دولة ما، قد يصل خلال ساعات إلى أقصى الدنيا، وأنه مهما كانت الشيفونية البشرية تعشش في أذهان بعض البشر، لكن الروح عزيزة، ولا يمكن أن يقدم إنسان على مثل هذا الفعل الشنيع، إنه فعل مستنكر حتى من الشيطان نفسه، لأن الشرارة في بلد، قد تصبح حريقاً في بلد آخر، وهذا حقيقة ما حدث، ولذلك فإننا نقول رفقاً بعقولنا، ولا داعي للاستخفاف بالقيمة الإبداعية لهذا المخلوق الذي يسمى إنساناً، ولا داعي لقذف هذه القنابل في جوفه، فيكفي البشرية ما حدث لها من هلع جرّاء الوباء اللعين، وأن نراكم على صدور الناس المزيد من الشك والريبة، ونقول إن ما حدث هو صناعة بشرية، فهذا في غاية الصعوبة، ولا أريد هنا أن أنفي، كما أنني لا أدعو إلى الإثبات، لأنه ما من يقين في هذه الأفكار، إلا يقين الضعف الذي أصاب البعض، والوهن الذي حلّ بقرائحهم، فما عادت تفرز غير الإحساس المرتهن الظنون، وإن في بعض الظن إثماً، وإن في بعض الشوك مستنقعاً، لا تفوح منه سوى رائحة الأفكار النتنة، ولا يخرج منها غير القيء، والصديد، والعياذ بالله.
أود أن أنبه هنا إلى أن نظرية المؤامرة هي من أسهل ما يفرزه العقل البشري، لأنها تساعد الأشخاص الضعاف على البروز، وتحقيق الذات، من خلال قول «أنا أعرف»، هؤلاء هم الاستعراضيون، هؤلاء هم النفعيون الذين يمدون شراع السفر إلى آفاق الكذب والافتراء، وفي مستنقع الأكاذيب تطفو الأسماك الميتة. المؤمنون بنظرية المؤامرة، هم أسماك ميتة.