من الدروس الثقافية التي خرجنا بها جرّاء عزلة كوفيد- 19، والجلوس الطويل جداً أمام الشاشات، أن الحياة الثقافية لا تقتصر في جدواها على الطرح الفكري وحده. وفي كل الأنشطة والأمسيات والمعارض الافتراضية التي رافقت هذه العزلة، ثمة فقدٌ واضح لروح الأشياء، ولمعنى التواصل الإنساني الذي لا يكتمل إلا بتغذية الحواس الخمس. 
نعم، تواصلنا عبر التطبيقات الذكية بالصوت والصورة، لكنه تواصل بلا طعم، وبلا نكهة تشدّ الروح وتبهج القلب. هناك ثلاث حواس أخرى مفقودة في هذا التواصل الافتراضي هي اللمس والشم والتذوق والاقتراب الحقيقي من بعضنا. هذه الحقيقة لمسها آخرون في مجالات الحياة كافة، في مباريات كرة القدم التي عادت بلا جمهور متحمّس، وبالتالي تشعر أنها بلا ملحٍ أو بهار، وكأنها حصص تدريب ليس إلا، أو في اضطرارنا للتعامل الإلكتروني مع مواد الثقافة من كتب وصحف وغيرها. وفي أكثر من مكان، رأيت العشرات يحنّون إلى ملمس الجريدة الورقية، وإلى لذة تقليب صفحاتها باليد، وشم رائحة الحبر والمطبعة. 
على عكس بلدان أخرى كثيرة، أثبتت الإمارات أن بنيتها الثقافية لا يمكن أن تتأثر أو تتوقف. وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، دبّ نشاط ثقافي كبير كان في مجمله في الفضاء الإلكتروني، لكنه كان يؤدي النسبة المطلوبة منه في حدودها الممكنة. شهدنا العشرات من الأمسيات الشعرية وجلسات النقاش والحوار العميق في الشأن الثقافي، وتابعنا افتتاح معارض فنية أونلاين، بعض هذه المعارض بادرت على الفور لاستخدام تقنية التصوير بالأبعاد الثلاثية التي تسمح للمشاهد بأن يجول داخل المعرض من زواياه كافة. وهناك صفقات بيع واقتناء لوحات تمّت كلها أونلاين، ثم اتسعت هذه الأنشطة لتشمل مشاركات دولية لكتاب ومفكرين من كل العالم. وميزة هذا النوع من التواصل أنه عابر للحدود، حيث يتاح لأول مرة للشخص أن يتابع الندوات الفكرية من أي بقعة في العالم.
بعد الإعلان أمس عن انتهاء برنامج التعقيم الوطني في الدولة كافة. تعود الحياة الثقافية في الإمارات بالتدريج إلى العمل بكامل طاقتها. ميدانياً كما هو الحال في إعادة فتح المراكز والمتاحف والمعارض أبوابها. وأيضاً افتراضياً، حيث تستمر خدمات هذه المراكز على الإنترنت، وبذلك تكتمل الصورة الكبيرة للإنتاج الثقافي، بحيث يكون متاحاً بكل الوسائل للجميع، داخلياً وخارجياً. وهذا الحضور الافتراضي والميداني المشترك للأنشطة، هو ما سيصبغ نمطيّة العمل في المرحلة المقبلة.