تمتلئ الصحف والكتب وكل مخطوطات الأرض بالقضايا الكبرى والشاغل العام، ويبدو الخروج عن هذا المسلك أمراً غير ذي جدوى، بل وحتى محاولة السير خارج هذا الإطار مدعاة للاستنكار، بداية انشغالي بالكتابة، كنت سائرة تماماً على هذا النهج، فجاءت كتاباتي الأولى «المنشورة» في صفحات القراء في بعض الصحف ذات عناوين سياسية مجلجلة على ذات النحو! أنظر الآن إلى تلك الأيام غير آسفة عليها، صحيح أني استغرقت وقتاً طويلاً حتى بلغت هذا التحول، إلا أنه في طريقي ذاك، تعرضت لتجارب نوعية صقلت من قدرتي في التعبير عن ذاتي على نحو جيد، وأكثر موضوعية. 
 حتى عندما تحولت للكتابة في المجال الثقافي، استوقفني البعض ونصحني بتوجيه قلمي للكتابة عن القضايا الفكرية والثقافية الكبرى، وكأن الكاتب عليه أن يتحدث عن كل الأشياء الكبيرة في الحياة، وأن أشياءه الخاصة هي صغيرة ولا تستحق أن يكتب عنها! وهنا تساءلت بكل بساطة: كيف لنا أن نتحدث عن القضايا الكبرى من دون العبور على الذات؟ كيف لي أن أتحدث عن قضية الانتماء، من دون وصف وتحليل علاقتي بنفسي وببيتي ومكان عملي؟ كيف لنا أن نتحدث عن هويتنا من دون العبور على أحاسيسنا كأفراد بلغتنا والشعور بذواتنا وتفاصيلنا الخاصة؟ كيف لنا أن نتحدث عن الإنسانية من دون أن نسبر أغوار علاقتنا ببعضنا بعضاً؟!
تلك العوالم الخاصة المدهشة التي يعتبرها البعض صغيرة هي سر الكون، إنها تلك المشاعر الإنسانية التي نكنها لكل ما هو حولنا، إنه عالم مثير يستدعي التأمل والتمعن والتحليل والتفسير والتنبؤ، ولا يمكننا أن نساهم في تغيير الأشياء الكبيرة متجاوزين تلك الكتل الإنسانية التي تسكننا، إذا انشغلنا بتنقيب مشاعرنا الخاصة ومعرفة ما نريده فعلاً وما يكفينا ويجعلنا هانئين في هذه الأرض، فقد ننجح في إلحاق الكساد بعمل تجار الأسلحة وسماسرتها، ونوقف تلك الحروب التي تندلع حولنا من آن لآخر، حتى إن الأمين العام للأمم المتحدة قد يضطر لترك عمله، بعد أن نتخلص من حزام الفقر الذي يخنق العالم، وتصبح كلمات مثل المرض والجوع والبطالة وحتى ثقب الأوزون، من ذكريات الماضي.