هل تعاني من رتابة أيامك أيها الإنسان؟ يأتي الليل ويعقبه النهار، يأتي النهار ويعقبه الليل، تمر ساعات عمرك وأيامك وأنت سادر في الرتابة وفي الملل، رماد يغطي خطواتك ورغباتك وأمانيك، تغيم الألوان كلها في الرماد، الرماد محايد وبارد، وأنت محايد وبارد، انفعالاتك فاترة في حدود الفطرة النائمة. تنهض إلى عملك دون رغبة في النهوض. تؤدي عملك دون حماس وبهجة. تسير مسيَّراً نحو التزاماتك البشرية. تعمل، تتفق، تأتلف، ترضخ، تتبع، تقبل، تساير، تسكت، تكبت، ترضى، تقتنع. وعليك أن تكون كل هذا كي تكون إنساناً سوياً!
تمارس كل هذه الأفعال التي يدعونها شروط الحياة أو شروط العيش. لكن المسافة بين العيش والحياة هي المسافة بين الملل والبهجة، بين الوجوم والغبطة، بين الانطفاء والتألق، بين الثابت والمتجدد. فإذا كنت تعيش على الضفة الأولى، فإنك ساكن في خيمة الكآبة، وإن روحك تتوق إلى الحياة على الضفة الثانية، حيث مسكنك الفرح والنشوة. طعامك فاكهة الروح، وشرابك زلال المحبة. غطاؤك الفضاء الرحب، وسياجك الورد، وحدود بيتك السعة واللانهائي. نهارك نور المحبة إذ غمرت قلبك، وليلك همس الهدوء وأحلام الأماني. إذا كنت ساكناً في خيمة الكآبة فإن كل أدوية الكآبة لن تنفعك، لأنك كالمجدّف في مستنقع طيني، وما لك من شفاء إلاّ الحضور في جلال المحبة وحضن السلام. ولكن قبل كل هذا، ومن أجل أن تبلغ بعض هذا، تعلم لغة المحبة، وامتلئ بها واستبطن السلام حتى في صمتك، وأفض بهما في نطقك، فلغة المحبة لا تشبه لغة المقال في الصحيفة، ولا السرد البارد في المدونات الكثيرة. لغة المحبة لا تشبه لغة التداول اليومي بين إنسان عابر وآخر. لغة المحبة سلوك قبل أن تكون قولاً أو لفظاً ننطق به في لحظة لقاء، لغة المحبة اهتمام غير عادي بمن تحب، ورعاية ومشاركة في التفاصيل الصغيرة التي تعني المحبين.
لغة الحب إبداع تلقائي آني خارج على المألوف والعادي، واهتمام فائق الدقة لا يخضع للمزاج الفردي ولا تحكمه حالة نفسية عابرة. لأنها عطاء تبادلي مطلق لا ينتظر الشكر ولا الامتنان. إنها سجية تولد مع المحبة، وتتماهى معها.
لغة المحبة تشبه لغة الشاعرية حين ترتقي على مألوف القول وبيان السرد. فكما أن لغة الشاعرية تشي ولا توضح، فإن لغة المحبة سلوك يشي بالمحبة ولا يسردها. وحين تغضب تذكر دوماً أن لغة المحبة تهذب لغة الغضب وردود الفعل الاحتدامية الطارئة. فحين تكتنز بالمحبة يصير سلوكك رقيقاً ومهذباً، ويغمرك الهدوء والسلام لحياة مطمئنة. ومعهما يمر الزمان عابراً طرقات أيامك كأنك كل يوم تولد فتياً من جديد، دون اختراق السنين إلى جسدك!