النصف قد يعني أننا في منتصف الطريق، أو منتصف المسافة بين الصعود أو الهبوط، وقد يعني بلوغ المنتصف بأننا موعودون إما بالزيادة أو النقصان أو أننا على حد الوقت والزمن، حالات كثيرة يمثل فيها منتصف الشيء الأمل والفرح بأن المتبقي أصبح أمره في متناول العزم ونيل الغاية النهاية، كل المنتصفات تبدو محايدة أو دافعة للتقدم أو المراوحة في المكان، وأحياناً تعني أن هذا هو الحد الذي باستطاعتنا الوصول إليه، وبعده مدة أو زمن يطول أو يقصر، إما أننا نصل لقمة الشيء، الحلم، الغاية، أو يهبط العزم ويتلاشى الحلم ويبعد الهدف وتخور العزيمة، ولكن أيضاً في حالات قليلة يكون المنتصف صفة جميلة وحكمة لا تؤدي إلى نهايات غير محببة أو جميلة، وعلى الرغم من أن منتصف بعض الظواهر الطبيعية هي الأجمل والأروع، وهي قمة الكمال وسنام اللحظة وقمرها، تماماً مثل منتصف الليلة القمرية، حيث يبدو كل شيء في روعته وزينته واكتماله، والبدر يصبح بدر البدور.
أمس طافت بنا ليلة منتصف شهر شعبان، هذا المنتصف من الشهر الذي له ذاكرة جميلة عند أهل الإمارات منذ أجيال بعيدة، تلك الاحتفالية الجميلة التي تعزز الفرح عند الأطفال والصغار وحتى الكبار، لا يكاد بلوغ منتصف شهر شعبان إلا وشاهدت موجة من الفرح والسعادة تغمر الأحياء الشعبية، وأفواج من الأطفال يمرون على الأهل والجيران في باقة من الزهور والحبور والزينة التي تزيد جمال الطفولة وروعتها، ملابس جميلة وأزياء جديدة وابتسامات كبيرة، كل هؤلاء الآباء والأمهات من أبناء الإمارات مروا بها ويعرفون روعة اللحظة وعظمة الفرحة، يتدرجون من نعومة أظافرهم في التعرف على المنتصف من شعبان أو «حق الليلة»، وهي عبارة تختصر معنى الزمن والوقت، قد لا يعرف الأطفال المعنى والمقصد من هذه الليلة، فقط يعنيهم الفرح والسعادة والتطواف على الأهل والجيران، وتعنيهم الهدايا والعطايا من الحلويات والمكسرات والمأكولات المختلفة، ويعنيهم هذا الاستقبال الجميل من الأهل والجيران وأيضاً الملابس الجديدة والجميلة، ويعنيهم أكثر مقدار ما حصلوا عليه من عطايا وامتلاء أكياسهم الصغيرة، وكذلك موجة الفرح والسعادة التي يشاهدونها في وجوه الجميع، هذه العادة الجميلة في معناها وغاياتها والتراث الذي حفظه الأجداد والآباء منذ زمن بعيد، في ظل المد الديني المتشدد والذي غزا المنطقة على أيدي عناصر ظلامية متشددة حاولت تلبيسه ثوباً غير الذي يفهمه الناس جميعاً في الإمارات، ولكنهم خابوا وفشلوا وظل المنتصف من شعبان وحق الليلة عادة مستمرة وتعني عند الكبار من الأهالي بأن شهر رمضان الكريم على الأبواب، وهذه الاحتفالية هي تذكير للمنشغلين بالحياة اليومية والعاملين بجد ليل نهار، وكأن أفواج الأطفال نواقيس صغيرة تقول لهم لم يتبق غير نصف الشهر/ نصف المسافة على رمضان. بالأمس، سعدت بأطفال الأهل في منزلي وهم يصنعون جلبة جميلة بأزيائهم الجميلة واحتفالهم بـ «حق الليلة».