يشكل الغيبي وما وراء الحياة، أزمة الإنسان الكبرى، ذلك منذ أن تفتحت البصيرة عند الإنسان الأول ليدرك مأساة النهاية المتمثلة في انتهاء الحياة، توقف القلب، موت النفس، وخروج الروح، وتحلل الجسد وانحسار كل أشياء الفرد حتى الذكرى.
لتبقى بذلك الأسئلة التي لم يُجب عنها إلا من خلال المقدس الذي حسم أمر ما بعد الموت، مفتوحة لدى الكثير من البشر، ومنها: ماذا لو عشت أكثر؟ ماذا لو امتد العمر لأكثر من عمر الجيل وأكثر من قرن؟ كيف سيتعايش الإنسان مع متواليات الأحداث، وما هي التأثيرات التي ستكون على سلوكه ووعيه وقناعاته؟ هل ستكون نظرته للحياة ذاتها وهو يمعن في العمر القصير الذي ينطفئ فيه خير الشخصية وجمالها ومحبتها، وأخرى ينتهي شرها وأذاها وتوحشها وعبثها بالحياة؟
في أساطير الشعوب عُولجت مسألة الخلود بطرق وأشكال مختلفة، وكذلك الأدب والسينما عبر الأعمال العلمية، كالاستنساخ والظواهر الطبيعية وأنسنة الآلة، إلى مشاريع علمية متمثلة في التجميد وحفظ الدماغ.
أن تعيش أكثر، أن تعيش أكثر من عمر الآخرين، أن تستمر في العيش بشبابك الذي لا يتغير، ولا يهترئ بفعل الزمن الذي يعبث بالذاكرة وتفاصيل الوجه وصلابة الهيكل العظمي. تعيش وترى كيف يمر البشر في محطات العمر، كيف تتغير الوجوه والعقول، كيف تثبت المبادئ وكيف تتغير، وتنقلب الأحداث.
كيف تتهاوى مشاعر الحب من على صرحها العالي وتتبعثر في الفراغ، لا قلب يحتويها ولا لسان يحكي أعذب الكلام، تمر كأن لم يكن للحب مكان في الروح ولم يُكتَب الشعر، ولم يُنشِد المُغّني تفاصيله.
أن تعيش أكثر هو أن تعود إلى الزمان وهو في أوله، أن تحمل سيرة الكون بنقاء روحك ونظرتك الصافية وعقلك المنفتح، أن ترى الخيبات والنجاحات، الخوف والشجاعة، الحب والكره، لتمضي في المستقبل شاهداً ومتأملاً كيف سيتبدل البشر؟ ماذا سيحدث بعد سنين وعهود ودهور؟
ترى مقدار الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها الإنسان تجاه الحياة ومستقبل الأرض، وكيف كانت الحقائق واضحة ناصعة في المشهد لدى العقول النيرة، إلا أن القوة البشرية لم تقدر أن ترى ومضت في غيها تقترف الأخطاء الكارثية، أخطاء تلو الأخطاء، لتجعل الواقع مخيفاً والمستقبل مقلقاً، ثم يغادر الأخيار والأشرار، وتبقى تبعات خيرهم وشرهم تواصل الصراع في ملحمة أبدية تجعلك تصل إلى قناعة بأن تكف عن أن تعيش أكثر وتقبل حقيقة أن تغادر الدنيا.
تماماً مثلما كانت أكثر لحظات الفرح عند الممثلة «بليك ليغلي» في فيلم «عصر أدلين» عندما بدأ الزمن يصبغ أولى خصلات شعرها باللون الأبيض، حيث أدركت أنها ستكف عن أن تعيش أكثر، في الفيلم الذي أنتج عام 2015، ويسرد قصة امرأة في الخامسة والعشرين من عمرها تتعرض إثر حادث سير إلى ظاهرة غير طبيعية تبقيها لسنين طويلة في العمر نفسه من دون أن تكبر.