تحتفي دولة الإمارات باللغة العربية باعتبارها الجذر والأصل الأول لهوية المكان والزمان. وتطرح مبادراتها العملاقة للارتقاء بهذه اللغة العظيمة، من أجل أن تتوحد الجهود لخدمة الأمة العربية والإسلامية التي تُعد لغة الضاد عمودها الفقري والضامن الأكبر لاستمرارها بين الأمم. كلنا نُدرك اليوم، أن لغتنا تواجه مجموعة ضخمة من الإشكالات الفلسفية والتاريخية والجمالية أيضاً. فمن ناحية، انفصلت الكثير من العلوم عن اللغة العربية، وصرنا لا نستطيع أن نستقيها إلا من الغرب، حدث هذا بسبب ضعف وتراجع مبادرات التعريب، وتشتت جهود الدول العربية واختلافها في هذا الخصوص.
ومن ناحية ثانية، هناك أجيال كاملة من الطلاب في المدارس أصبحت تخضع لمناهج غربية في التعليم تؤهلهم للدخول والقبول في الجامعات العالمية، بينما اقتصرت تلك المناهج على حصص بسيطة في اللغة العربية والتربية الإسلامية. وهو إشكال تعليمي ضخم لا يمكن حلّه إلا بخطوات وجهود كبيرة تؤسس إلى فلسفة وثورة جديدة في التعليم تراعي تمكين الطلاب من اللغة بشكل سليم وعميق، الجانب الآخر في موضوع اللغة هو نسبة حضورها في يومياتنا. وهي نسبة متراجعة أيضاً بسبب طغيان الكثير من الظواهر التي أفرزتها السوق. على سبيل المثال، تراجع حضور اللغة الفصيحة في الأغنية والدراما وأيضاً الإعلام، وتراجع حضور الشعر العربي واضمحلّت حركة نشره وتوزيعه والاحتفاء بمبدعيه. بل إن بعضهم صار يعلن موت الشعر الذي أصبح لا سوق له ولا جمهور. بينما لا تزال تضجُّ الكثير من دول العالم بمهرجانات الشعر التي تعزز من جماليات لغة كل أمّة. وإعلان موت الشعر الفصيح في حياتنا هو جرس إنذار حقيقي. ولو أردنا أن نضع يدنا على جميع إشكالات اللغة العربية اليوم لأسهبنا، ولكن الكل يدرك ويستشعر أهمية العمل الآن لتجاوز هذه القضايا بطرح مبتكر ورؤى جديدة.
جاءت قمة اللغة العربية التي نظمتها وزارة الثقافة والشباب قبل أيام في «إكسبو دبي» لا لتناقش الإشكالات، وإنما لتضع خريطة طريق لعمل طويل بدأ بوضع 21 توصية هي مخرجات هذه القمة. وهي توصيات في غاية الذكاء كونها تتعامل مع العصر والتكنولوجيا، وتمد جسور التعاون بين مجامع اللغة العربية التي يقع عليها الدور المحوري في اعتماد المصطلحات والمفردات الجديدة وإقرار مرجعيات موحدة للتعامل مع إشكالات اللغة فنياً وأسلوبياً وفي النحو والصرف وغير ذلك. وفي التوصيات الكثير الكثير حقاً مما يُسعد القلب.