عام آخر عبر سريعاً، لكنه حمل الكثير من المنجزات الثقافية على الرغم من كل التحديات والحظر والخوف والوباء. كان النصف الأول من العام حذراً جداً. اكتفت المؤسسات الثقافية بإقامة الكثير من الندوات والجلسات والحوارات افتراضياً، لكن هذه اللقاءات لم تكن تُشبع نهم الراغبين في استئناف الحياة كما كانت، ولم يكن لها طعمٌ ولا لون ولا رائحة، ومع ذلك فعّلت هذه اللقاءات بشكل ما المناخ الثقافي واستكملت أجندات العمل بدلاً من توقفها، ما أشعرنا جميعاً بأن الثقافة في الإمارات فعلٌ مستمر وضروري وجوهري ولا يمكن أن يتراجع خطوة واحدة للوراء. 
استمر الزخم الثقافي يتصاعد بالتدريج، مع انفتاح المؤسسات على إقامة فعالياتها الكبيرة وسط الاحترازات الصحية، فكانت معارض الكتب في أبوظبي والشارقة، والمعارض الفنية والفعاليات الكبيرة في دبي وبقية الإمارات تفتحُ أبوابها للجمهور العام، إلى أن وصلنا إلى ذروة الزخم الثقافي العالمي بافتتاح إكسبو دبي 2020 في حلته الرائعة وحضور الثقافة والفنون فيه بشكل كبير.
ولو قدّر لجهةٍ ما أن ترصد الحصاد الثقافي السنوي للدولة بكل تفاصيله المعرفية، والإضافة التي يشكلها في وجدان المجتمع، لاحتاجت إلى مجلدات. لكن يكفي أن نقيس مدى انفتاح الدولة على الثقافة وتطوير مناهج عمل المؤسسات فيها، وقدرة أبناء الإمارات على تسجيل حضورهم الثقافي في المهرجات الشعرية والفنية والثقافية من حول العالم. 
وفي الثقافة، علينا أن ننظر عميقاً في الخطاب الذي يسود الطرح والتناول في كافة ما يُنتج هنا. نقرأ في صحفنا المحلية الكثير من القضايا الفلسفية والفكرية التي تتم مناقشتها بعقلانية وبطرحٍ جديد ومختلف، كما هو الحال في ملحق «الاتحاد الثقافي» الذي يقدّم خطاباً فكرياً متنوّراً وعميقاً. أيضاً نتعرّف في معارض الكتب على ما ينتجه العقل الإنساني بعيداً عن محظورات المنع ومصادرة الكلمة، وتحفلُ المعارض الفنية بصرخات التجديد في أساليب العرض والمعالجة. وأينما ذهبت في الإمارات، فإنك تلمس حضور الحداثة والتجديد في معظم الفعاليات والمناشط. وبقدر الانفتاح والعمق في الطرح، تتحقق رؤية الدولة في جعل الثقافة جزءاً حقيقياً من حياة الناس اليومية وأحد أهم الروافد لتعزيز قيم الجمال والإبداع والتسامح وغيرها.
سجل العام 2021 عبورنا قوس الخمسين عاماً على قيام الدولة. حصدنا في نصف قرن الكثير من المنجزات الثقافية وأصبحت الإمارات مشعل تنوير فكري ومعرفي في المنطقة بأسرها. فشكراً لجميع من أسهم في نثر هذا الضوء الجميل.