بالشتاء مدينة العين تبتهج أمسياتها، وتزف مهرجاناتها الثقافية، تبتدر فصولها وتكشف عن لذتها ورحابتها وإرثها الثقافي، من جوائز عين الصقر إلى جداريات الفنون التشكيلية، أي دفء تأخذك في شتائها الجميل، أي مدى لزهرة يانعة، في رحابها العشق والحب والسلام، في طورها ذاكرة الهدوء والارتقاء الحضاري، تنبت حلماً، وفجرها يشع، شجيرات رياحين عطر، في تلامسها وتصافحها شغف، وتعرف الجبال شموخها، والدروب مسافاتها.
وثب مهرجان عين الصقر في أجوائها وسحرها، ووفد إليها نقاد وممثلون وكتاب سيناريست ومخرجون من الإمارات وخارجها، أشعلوا شمعة البدء السنوي وتغنوا، فهي مدينة ملهمة ونواة بين مواعيد الفرح لتتوج عين الصقر المبدع صالح كرامة، عن فيلمه سفران، الذي توج بجائزة أفضل فيلم عن الدورة الحالية، وجوائز أخرى ذهبت لمستحقيها، ولم يكن كرامة بعيداً عن الجوائز، التي تلمست خزائنه واستمرت تهتف له كلما حضر. فيلم «سفران» الفائز هذه المرة، جسد بيئة البحر ومعاناة الصيادين، وهي بيئة خفية عن الرصد، مثلها مثل سائر المهن التي لا يعرفها إلا من امتهنها، فقليل من المخرجين من يسلط الضوء سينمائياً عليها، فشيء جميل أن تحوز على دائرة اهتمام التحكيم، ويتلقف الفيلم الفوز ويحصد الجائزة وينشد الحضور الثقافي الباهر.
منذ عرفت كرامة في منتصف التسعينيات، وهو يسعى ويثابر نحو حلمه وهذا شأن المبدع، في الكتابة وجدته قاصاً متميزاً، وفي الإخراج المسرحي يشعل المسرح ويجتهد ويتعب، فلا تغيب الصورة عن ذهني، حين عمد إلى تدريب مجموعة من المبتدئين الممثلين، بفرع اتحاد كتاب الإمارات بأبوظبي، ثم قدم معهم مسرحية للجمهور، وعمد إلى هذه التجارب المحلية التي تعبر عن بيئة الإمارات، فالتجريب فن بحد ذاته، مازج به مسرحيات عالمية وأجنبية، وفي كل مرة نشهد له عملاً يصنع منه بصمة فريدة وقيمة، ويلوذ به نحو البروز، صالح كرامة قدم نفسه من دون كلل ولا ملل، وعبر نحو النجاح من دون خشبة مسرح حقيقية، لكنه قدم وجوهاً تتوق للفن، وأبرز وجوهاً من الممثلين في الدراما المحلية، ولا يكتفي كرامة بعمل فني ويصمت، بل يضع جهوده المتميزة هنا وهناك، ممثلاً الإمارات في مهرجانات عربية كثيرة، ملتزماً بمنظومته الفكرية والأدبية الثقافية التي يسعى من خلاها نحو رسم خريطة عطائه واجتهاده وبلورته العمل باهتمام ناضج ورصين.
ومثلما قال كرامة بعد فوزه بأفضل فيلم، إنه لا بد من الاهتمام بالأفلام المحلية التي تترجم البيئة والخصوصية المحلية، وأن تتسع دائرتها لأنها نواة الأعمال الروائية والقصصية الإماراتية، فالمكتبات تعد رافداً مهماً للمنتج السينمائي لو سعت الجهود نحو ترجمة الكتابات إلى منتج يكسب الدورات السينمائية لتبلغ نجاحها وحضورها اللافت.