لا تزال السينما في دول الخليج العربي تبحث عن مأوى راسخ يتيح لها النمو والازدهار، والخوض مع الخائضين في هذا النوع الساحر من الفن، الذي يأسر الروح والقلب والعين، ويمتلك القدرة على تقديم الواقع والرؤى التي يحلم بها السينمائيون في منطقتنا. وهي منطقة ظلت لسنوات محرومة من أدوات التعبير الجديدة، التي أصبحت سمة لدى الكثير من شعوب العالم. وفيما عدا الشعر، وتحديداً الشعر الشعبي والنبطي الرائجَين، لا يزال الوجدان الاجتماعي الخليجي يتلمس التعبير عن ذاته بأدوات الفنون الأخرى، مثل المسرح والسينما والشعر الحديث والفن التشكيلي، وغيرها.
وحقيقة الأمر، فإن السينما في الخليج، بكل مشاريعها ومغامراتها، لم تثبت على حال واحدة، بل كانت هناك موجات صعود وهبوط باستمرار أفرزت تجارب متباعدة وليست متراكمة، ولم ترسّخ لنفسها أرضية صلبة تقف عليها وتكبر وتبني. والأقسى، أن جميع المبادرات الكبيرة للنهوض بالسينما في الخليج كانت تتعثر لأسباب غير معروفة وغير مفهومة أيضاً، ولا أحد يصدّق بأن السبب يعود إلى التكلفة المالية لهذه المبادرات، كون دول الخليج لا تعاني في الأساس من هذا الجانب، كما أن دولاً أخرى عربية، وغير عربية، استطاعت أن تستمر في إقامة مهرجات للسينما على مدى سنوات طويلة ولا تزال مستمرة. ولا أحد يعرف لماذا توقفت بعض مهرجانات السينما الخليجية، ولماذا لم تصمد رغم تراكم مكتسباتها؟
وكشاهد على هذه المرحلة، كنت أرى السينمائيين الخليجيين يحملون عتادهم وأحلامهم من مهرجان إلى آخر، وكلما توقف واحد، أكملوا الطريق في الذي يليه، وكأنما هناك أدوار مختلفة كتبت لهم في هذا السيناريو الذي يترحّل أبطاله من مهرجان إلى آخر.
تابعت بالأمس حفل ختام مهرجان أفلام من السعودية، وحضرت وشاهدت مجموعة من الأفلام المشاركة في هذه الدورة الناجحة بعد ثماني سنوات من انطلاق هذا المهرجان، الذي قرر أن يبدأ صغيراً ويكبر، بينما بدأت المهرجات الأخرى كبيرة واستمرت لكنها توقفت. سرّني أن الدورة الحالية سمحت بمشاركة أفلام خليجية. وبذكاء شديد في التنظيم، استطاع مدير المهرجان الشاعر أحمد الملا، أن يكوّن أرضية ثابتة للسينما السعودية، وأن يحيطها بالنقد المحفّز وأن يحتضن مشاريعها ويذلل العقبات أمام الحالمين بها. نبارك له هذا النجاح لأن استمرار هذا المهرجان بهذا النهج سيكمل مسيرة السينما الخليجية ويتوّجها بالضوء والألق.