من يريد أن يعرف بماذا يفكر محمد صلاح، كيف يبرمج ذاته لكل هذه التحديات التي تكبر في طريقه يوماً بعد الآخر، كيف يعامل جسده، متى يستمع له وبماذا يأمره، وماذا يفعل بخلواته مؤملاً ومتأملاً، بل ومتفلسفاً، لا بد وأن يقرأ حواراً مطولاً وعميقاً أفردته له مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية في عددها الأخير.
إن كان عليّ فقد قرأته مستمتعاً، وخيّل في لي لحظة وكأنني أمام واحدة من المحاورات الفلسفية الجميلة التي تنفذ إلى كنه الأشياء للاستقراء والاستنباط وبخاصة استخراج تلك الجواهر المدفونة في محاراتها.
تكلم المبدع محمد صلاح عن كنه ذاته كما لم يفعل في أي مرة، فإن جلدوه كل وقت بأسئلة السباق نحو الألقاب والأحلام المودعة في الجراب واللحظات المبتسمة وحتى الجالبة للعذاب، إن واجهوه مئات المرات، إن كان ليفربول يمثل له المحراب الأزلي، أم يا تراه ينظر إلى حيث تشرق شمس البلوجرانا، فهذه المرة سألته «فرانس فوتبول» عن نفسه، عن سجاياه، عن الذي يسعد ويشقى به عقله ووعيه وتفكيره، كل الذي يصور لنا محمد صلاح حيناً في رداء الفيلسوف أرسطو، الحكيم والمتأمل وأبو المنطق، وحيناً ثانياً في ثوب الأسطورة التي عادت لنا بعد مئات السنين بقيت خلالها رواية مروية في أسفار التاريخ، وحيناً ثالثاً بأجنحة طائر الفينيق الذي ينبعث من الرماد، ويعود إلى الرماد.
كان رائعاً أن يقول محمد صلاح بأنه يمعن جيداً في الاستماع لجسده، ليعرف بدقة متناهية ما الذي يحتاجه لكي يفعل ما يرسمه خياله، وبأنه يطيل لحظات التأمل في خلواته ليدرك المعنى والغاية، وبأنه يعوّد جسده على أقصى حالات الجهد والنصب، ليكون باستمرار مستعداً لإنجاز ما يطلب منه، وما يظن أحياناً أنه فعل المستحيل.
محمد صلاح بهكذا أسلوب حياة، وبهكذا انسجام مع روحه وجسده، وبهكذا إصرار على ركوب التحديات الواحد بعد الآخر، في صورة رهانات، هو ذاك الشاب الذي خرج من مصر متجهاً إلى سويسرا يحلم بأن يطرق للاحتراف باباً، ويصبح للكرة المصرية معلماً، فبات اليوم يتطلع لأن يصبح نجم نجوم العالم، طريق طويلة ومرهقة وشاقة، ما مشاها محمد صلاح جسوراً وصبوراً، إلا لأنه فتح عقله بالكامل ليقرأ جيداً ما حوله، وليستطلع ما يمر أمامه من تجارب، فجعل جسده جبلاً يعلو بشموخ ليرى القمم وليسكن الرياح، وجعل عقله منارة تشع بالمعرفة فتضيء له كل عتمات التفكير، وجعل وعيه بالأشياء الجميلة يرتفع فوق الشقاء والإحباط وخرائب الفشل..
ما أراه في محمد صلاح اللاعب الخارق، جسد يعرف جيداً طريق النبوغ والتميز، وفكر يفتح الأبواب والردهات ليحوّل المستحيل إلى حقيقة..
ما أحوج شباب اليوم إلى أن يتعلّم من محمد صلاح الثري بأحلامه وطموحه وفكره، لا الثري بماله..