ماذا صار في حياتنا، وكيف انقلبت وتغيرت أطوارها؟ والعالم أصبح مستخفاً، وعاد الناس مراهقين، ولو كانوا في عمرهم الذهبي، صارت لذة عند الكثير أن يبحث عن غريب الأخبار، ومرات يختلقها فقط لكي يكون مختلفاً، ويلفت الانتباه، ولو كان ذلك الأمر يناقض القيم والأخلاق، ويسيء إلى حرمات كثيرة، فملكة بريطانيا حينما ودعت دنيانا، ظهر علماء دين بجببهم وعمائمهم وآخرون من الغوغاء يدعون نسبها إلى الرسول الكريم، ومرة يقولون عنها إنها من أحفاد «موسى بن نصير»، ولا أدري على ماذا يبنون تلك النظريات المنقوصة؟ وما أكثر مراكز البحث والدراسات والمنقبين في الغرب، فلو كانت المعلومة متوافرة كانوا نبشوها نبشاً، وحتى لو كانت المعلومة «ملغومة»، وتتحفظ عليها الأجهزة الأمنية ومحاطة بسرية تامة، كنا وجدنا من يسربها أو يخرج خيطاً من الملف السري إلى العلن، رأيت بعد تلك الإشاعة واحداً يؤدي العمرة عن روح الملكة الطاهرة، ويتمنى لها جنات الفردوس، المشكلة لا يمكنك أن تتحقق من الكثير الذي يرى والذي يقال، وكأنها ساحة مشاع والكل يريد أن يدلي بدلوه، وأي مناسبة طيبة أو لحظة حزن تجد الكثير ممن لا يعنيهم الأمر، لكنهم يخوضون مع الخائضين، ماتت فنانة مشهورة، تجد واحداً وجهه مسخم، ويريد أن يحاسبها قبل حساب ربها، وأنه لا تجوز الصلاة عليها، والود وده أن يقول لا تدفن في مقابر المسلمين، مثل هذا الذي يدعي أنه داعية ينصب نفسه وكيل السماء على الأرض، وأنه مسؤول عن نقاء وطهارة كل الناس، ويريد أن يهديهم إلى الصراط المستقيم، ولن يرتاح حتى يدخلهم من باب الريّان أو يسلمهم للخازن رضوان.
الناس استخفت بهذه الوسائل السهلة الهينة اللينة، والتي توصل رسالتهم مهما كان محتواها إلى أبعد مكان، وإلى أكبر حشد من الناس، في تلك الساحة المجانية تجد الكثيرين نزلوا من علياء احترامهم، وأصبحوا من الخفاف ومن «الربّاشة» الذين تحملهم أخف نسمة هواء وهوى، وأصبحوا جميعاً معلنين ومروجي إشهار لبضائع بعضها بائر، وبعضها وهمي، والكثير منها مغشوش، وأصبح الكثير من نجوم الساحات الرقمية أطباء ومروجي أعشاب وداعين للتداوي بالأعشاب والأوهام، وما عجز عنه الطب الحديث ومختبرات الأدوية المتطورة في العالم، المصيبة الكبرى حين يردفون حديثهم وإعلاناتهم بأشياء دينية ومن الأثر، وهم في كذبهم يخرصون، ويزينون للبسطاء فيما يجهلون.
لابد لكل عقلاء العالم أن يتحدوا، ويقفوا وقفة صادقة أمام الاستخفاف بالحياة والإضرار بتفكير الناس، ويتفقوا على صياغة ميثاق شرف إعلامي رقمي، ويعيدوا لنظرية «حارس البوابة الإعلامية» دورها الحقيقي، وفاعليتها في ضبط الكثير من الأمور في معادلة الحياة وقيمها ومثلها.. لقد استخف الناس اليوم، وجننوا العالم بأشيائهم الناقصة وغير المحتملة، والتي تضر بالبلاد والعباد، وتهدم الأخلاقيات الإنسانية.