•    في بعض البلدان، تجد أشخاصاً مقترحين على أنفسهم مهناً لا أحد يدري عنها، ولا أحد كلفهم بتلك المهمة، لكنهم مع الوقت، ومع التواؤم مع تلك المهنة الطارئة، يألفه الناس، ويعتقد هو بازدياد أهميته يوماً بعد يوم، مثل ذلك الشخص الذي يسد مكاناً في المصعد الكهربائي مع الصاعدين والنازلين يسألهم عن أرقام الطوابق، وهو يضغط على الأزرار بدلاً عنهم فقط، وفي المكسيك كنت ماراً بشارع رئيسي وفيه محل «سوبر ماركت» كبير، وهناك أمام بابه الرئيس، لا يقف شخص يفتح الباب للداخل والخارج، كما هي العادة، هذا الشخص جالس على كرسي في زاوية خارجية للباب، ورابط الباب بحبل نايلون ومعلق في يده التي يفتح بها الباب للداخلين والخارجين، كفعل روتيني، وهو يمز من كأس الشاي أو يدخن سيجارته!
• من الأفلام الجميلة التي تستحق العناء والمشاهدة، وعدم تضييع الوقت، ويمكن أن ترجع لها بعد فترة طويلة من المشاهدة الأولى، فيلم «القاضي» المكتوب بحرفية تامة، وبحوار متضاد متكامل، يسبر النفس البشرية، وكيف يمكنها أن تدافع عن الشرف الشخصي، والشرف ليس بالمفهوم العربي المرتبط بالجنس، ولكنه الشرف الإنساني، كأعلى القيم التي يعيش من أجلها الإنسان، وتبقى تخلد روحه بين الناس، وذلك من خلال سرد شخصية الأب الذي يتقمص دوره الممثل القدير «روبيرت دوفال»، الذي كان قاضياً صارماً طوال حياته، وتحوله لمجرم متهم بالقتل، وابن هو في نظر الأب القاضي فاشل في الحياة، والذي يقوم بدوره الممثل الساخر «روبيرت داوني جي. آر» ومن إنتاجه مع زوجته، ومن إخراج «ديفيد دوبكن»، في نهاية الفيلم يعترف الأب القاضي بمهارة ابنه المحامي الذي أخرجه من تلك التهمة المعقدة، وبمدى حبه له، بعض الأفلام تنتظر طويلاً لتشاهد شيئاً بجمالها، وإتقانها، ومتعتها، وتبقى عالقة في الرأس!
• من تسمع سياسياً أو فناناً أو مشهوراً، يقول لك بعد أفول نجمه أو تعثر حظه: إنه لن يبيع إرثه الفني أو السياسي أو مذكراته بملايين الدولارات، فاعرف أنه وضع رقماً، والرقم قابل للأخذ والرد، أو بمعنى أن هناك فرصاً للمساومة، وفرصاً للتنازلات، وربما الرضا بالقليل، بعد طلب الكثير!
    مشكلة الذين يكتبون مذكراتهم العربية من هؤلاء الفئة تجد فيها التمجيد لبطولات وهمية، والاستشهاد بالكثير من الأموات، وأقوالهم المرجعية التي ذهبت معهم، قلما أحد منهم يكتب مذكراته بشفافية وصدق وبوح مثلما يفعل الساسة والفنانون الأميركيون، وإن كانت فيها الكثير من الصُنعة الكتابية والملامح الفلسفية والأدبية التي يصيغها صحفيون وكتّاب مشهورون لا يظهرون كأسماء ووجوه، لكنهم يتقاضون أجوراً عالية على كتابة مذكرات ليست مذكراتهم!
• لا أعرف لماذا يصر البعض من الدعاة الإسلاميين الجدد، -وهم كُثر - أن يتولوا بأنفسهم جمع التبرعات، والحرص على حض المسلمين على دفع الصدقات لهم، ليوصلوها إلى المتعففين الذين يعرفونهم واحداً واحداً كما يقولون، وبذلك يعيّنون أنفسهم جباة للدين، وخازني بيت مال المسلمين، وما أن تفتح العيون على تكدس الأموال بين أيديهم، وأنها تسير في مصارف غير شرعية، ومصارف شخصية، حتى يرغوا، ويزبدوا، ويلقون تلك الخطب النارية المحشوة بأحاديث، وآيات لا تخص الموضوع، وتتحدث عن الأمانة والإخلاص، وأن حملها ناءت به الجبال الرواسي، وكأنه يريد أن يدافع عن نفسه غير الشريفة، والأمّارة بالجمع والصرف من أموال المسلمين المتبرعين، وكأنه أب الأيتام المؤمنين! هؤلاء المؤمنين جباة أموال الصدقات والتبرعات والمتظاهرين بالتقوى، هم أس الفساد والبلوى!