لماذا كلما ضرب زلزال عنيف كرة القدم الإيطالية، إلا وكان نادي يوفنتوس هو من يتصدع بنيانه ويشرخ صرحه، هو من تسقط السماء على رأسه، وهو من تتكسر أضلعه، وتنهار قيمه واقتصادياته؟
بعيداً عن نظرية المؤامرة، أو التحرش الرياضي الذي يُعلق عليه المناصرون المهزومون في كبريائهم خيباتهم، فلا أحد جنى على «السيدة العجوز» مرة ومرتين سوى نفسها، فهي إلى حد بعيد تعيد حكاية براقش التي جنت على نفسها وعلى أهلها، بل هي التي تقبل على نفسها بأن تلدغ من نفس الجحر مرتين.
كانت «السيدة العجوز» في قمة ألقها وتوهجها، متسيدة البطولات بإيطاليا الأنيقة، عندما افتضح فجأة أمر تورطها في قضية باتت تعرف بـ «كالتشيوبولي» بمعية أندية الميلان وفيورنتينا ولاتسيو وريجينا، وهي اختصار لفضيحة دوى صداها في أرجاء العالم سنة 2006، مختزلها أن مسؤولين عن هذه الأندية تورطوا في مكالمات، أعتقد أنها سرية، بهدف تعيين حكام بعينهم لمباريات يلعبونها، لكن جرى تسريب تسجيلات لتلك المكالمات، وبها كانت المحاكمة وعوقب «اليوفي» بأن أُنزل إلى «السيري باء».
ظن مناصرو «اليوفي» والسنوات تمر، أن الجرح اندمل والكبرياء برأ من شروخه، خاصة أن «البيانكونيري» وقع على عقد أسطوري، احتكر خلاله لقب «السكوديتو» ورفع عالياً عارضة الإعجاز، لولا أنه في زمن الانتكاسة، سيضرب «اليوفي» إعصار أقوى من ذاك الذي ضربه قبل سبع عشرة سنة، فقد صدر حكم عن المحكمة الإيطالية يقضي بخصم 15 نقطة كاملة من رصيد «اليوفي»، نتيجة لمخالفات مالية حصلت على مستوى التعاقدات مع بعض اللاعبين، وأرفق بأحكام تقضي بمعاقبة ما لا يقل عن 11 من المسؤولين السابقين للنادي الإيطالي الأكثر تتويجاً بالألقاب بإيطاليا. وخلافاً للعقوبة الرياضية التي قد تزداد تورماً، في حال ما إذا قضت المحكمة بأحكام أخرى في قضية التلاعب برأس المال، فإن «اليوفي» يواجه خطر «الإبادة» المالية، جراء التداعيات الاقتصادية لهذه الكارثة، فإن فقد النادي ما يربو على 80 مليون يورو، في حال ما إذا تعذر عليه التأهل للنسخة القادمة لدوري أبطال أوروبا، أصيبت صورته الاعتبارية بشرخ كبير، فكيف ترغب مؤسسات اقتصادية عملاقة في ربط اسمها بفريق ساءت سمعته.
ذاك إذاً هو الوجه الأسود للاحتراف الأوروبي، الذي إن أبهرنا وجهه المقنع، أفجعنا وجهه الحقيقي ببشاعته متى سقطت عنه الأقنعة، ومتى سالت من الجحور المياه العادمة التي تزكم روائحها الكريهة الأنوف.
بالطبع ليس كل الأندية يوفنتوس المتورط في أكثر من فضيحة، وليس كل الأندية برشلونة الذي سلخ أهله عنوة جلده الاقتصادي، فهناك أندية تقف قوية على دعامات اقتصادية نقية، لكن مع ذلك ليس كل ما في الاحتراف الأوروبي جميل، كما ليس في القنافذ أملس.