من أنت أيها العام الذي مر بنا؟ ماذا أخذت منا سوى نضارة العمر، وماذا أعطيتنا سوى قطرة من أملنا. مررت بنا مترعاً بالحزن حيناً، وحيناً رافلاً بالحب ونشوة الأحلام. بريء أنت مما صاغت يدانا وما استلبنا من بهجة الحياة؟ لماذا نلقي عليك آثامنا حيناً، وحيناً نتوجك ونقول: زمن صعود أحلامنا؟ أيها الزمن الذي لابد أن نأتي إليه، وأن نرحل. لا يد لنا في المجيء ولا خيار عن الرحيل. لأننا من غموض النشوء جئنا وفطرة التكوين. 
لابد لكل كائن حي من زمن يولد فيه وزمن يموت. وبين الولادة والموت مسيرة يحفها الصعب، ونخاتلها كي نحتفي بالحياة. مسيرة نسميها أعمارنا ونعدها بالأيام والأعوام، بالساعات والدقائق والثواني! هل نحن جزأناك كي نرتب فوضانا، وأرّخناك كي تحصي وقائعنا؟ وأنت في غفلة قد تباغتنا بما لا نشتهي. لا فضاء الروح يبقى، لا الحنين ولا الهوى، كل ما صغناه يفنى وأنت ماضٍ في خلودك، غير مكترث إلا بنقشك فوق أجسادنا.
نحصي ثوانيك، وتحصد أيامنا متسيداً. لا جبروت غير جبروتك، حتى إننا ابتكرنا لك ذاكرة تؤشر سيرك، وساعة تحيط باللحظات. كأننا إن أحصيناك ملكناك كي نبقيك قيد حصارنا، وأنت تمضي ساخراً من كل ما ابتكرت عقولنا وأيادينا، لأنك تعد أعمارنا يوماً بيوم، ونحن من لهفة الروح نعدّك بالفصول. مخاتلاً تظن أننا لا نستطيع أن نقيدك، لكننا قيدناك بألف وسيلة وجعلنا منك عنواناً ندل بك علينا. قيدناك في وثيقة الموت، وفي شهادة الميلاد. قيدناك في الذاكرة والتقويم. قيدناك بالشعر، بالسرد، بلحظة الحب، ولحظة الفرح، بالميلاد والأعراس. فبقدر ما أعطيتنا أعطيناك. إن كنت تعطينا الخسارة واليأس فإنك تعطينا الأمل. وإن فجعتنا في ما نحب، منحتنا السلوان. منذ الشهقة الأولى، تأخذ عسل الطفولة وتعطينا نزق الصبا. تأخذ نزق الصبا وتعطينا فتنة البلوغ. تأخذ نضوج العمر. وتعطينا حكمة السنين. تأخذ هناءة النوم لتعطينا ذهب المعرفة. 
أيها العام الجديد ماذا أعددت لنا في جدولك، الأمل أم اليأس، الفرح أم الدمعة؟ هل نحتاج أن نخط لك مجراك على دفاترنا؟ أم أنت الذي تخط دروبنا وفق مجراك؟ من يأتينا بالأمل، أنت أم ما نشتهي؟ من يكتبنا في دفتر الخسران أو دفتر الربح، أنت أم نحن؟ شغلنا عنك بك، وفلسفناك وبحثنا في خلاياك فلم نعثر إلا علينا. دوّناك فلم نؤرخ إلا حياتنا. لك العبور كما تشاء ولنا نشوة التفسير والتبرير، وبهجة الكشف. وتبقى أنت ذلك الجدول المنساب في عناصر الكون، وفي خطى الكائنات!