بينما كنا جالسين ذات يوم في أحد المقاهي نلوك الأحاديث اليومية الدارجة، انبرى أحد الحاضرين فجأة مقاطعاً أحاديثنا المملة بسؤال بدا غريباً: هل تعرفون معنى الجسّ والطبر؟
بهتنا لغرابة السؤال وحدقنا فيه، ولم ينتظر الرد، قال: الجسّ - عافاكم الله منه - لفظة في اللهجة الشعبية تنطق ثقيلة حين يحشر طرف اللسان وراء الأسنان ليخرج الصوت بين فتحة الشفتين، ولا تشترك قاعدة الحنجرة في إصدار إيقاعها كما تلفظ «الجيم» في البلاد العربية باستثناء مصر واليمن، حيث تلفظ بالكاف الثقيلة المعطشة. وتكتب بالأبجدية العربية «تش»، وتصنف في علم البلاغة بـ «الجيم المعطشة»؛ لأنها حرف دخيل على عربية الصحراء جاءت إليها من الفارسية والهندو/ آرية. ومثالها كتابتنا للأسماء الأجنبية مثل «فردريك نيتشه، وتشايكوفسكي»، ثم صمت ونظر إلينا، وحين وجدنا صامتين أكمل:
أما في لغة المعجم، فإنها تكتب بالكاف والسين، وتلفظ بفتح الكاف وتشديد السين - وتعني: دق الشيء حتى صيره كالسويق، أي ناعماً كدقيق القمح والشعير. والمكسوس: الخبز المكسور.
أما «الطبر»، فإنها لفظة فارسية، وتعني الفأس. وهاتان المفردتان تقعان ضمن التداول اليومي في اللهجة الشعبية كاستعارة لمعنيين متضادين ومتناقضين تماماً. فيقال بصيغة الأمر «جس رأس فلان» أي اقمعه واكسر تمرده. واقطع الشيء بالطبر. أي فتته أو استأصله. وتبدو اللفظتان ذاتي دلالة متشابهة، في فعلهما، لكنهما ليستا كذلك في غايتهما عند مصدر الاستخدام. فالأم، مثلاً، تطلب من الأب بلهجة غاضبة تقترب من الأمر، أن «يجسّ رأس» ابنها إذا رأت منه شقاوة أو تمرداً.  
والنطق بجملة «جس الرأس» يحمل صيغة الأمر دائماً في استخدامها الشعبي. فردد الجميع بصوت واحد: وماذا عن الطبر؟ قال المتحدث: ولأن (الطبر) أي الفأس حاد وقاطع سنستنتج من استعارتهما، أن الجسّ ترويض وإخضاع، والطبر تمرد واختلاف. ثم صمت قليلاً وأضاف: بهذا التعريف أردت يا أصدقائي أن أحكي لكم ما قد نسيتموه من تراث لغتنا الشعبية قديماً لتستمتعوا بلقائنا.