لم تعد بطولات كرة القدم محسومة بالنسبة للمنافسة على مستوى نتائج المباريات أومحسومة بالنسبة للسباق على الألقاب.. فقبل سنوات كانت البرازيل مرشحة ومعها الأرجنتين وإيطاليا وفرنسا وبعض الكبار في كأس العالم، وفى أفريقيا كانت مصر وغرب أفريقيا في كأس الأمم، وفي آسيا كان سباق الغرب مع الشرق شاهداً على كل بطولة.
واليوم قدمت كأس الأمم الآسيوية وكأس الأمم الأفريقية دعوة للتفكير فيما جرى وفي أسبابه، فقد تغيرت خريطة اللعبة، وتغيرت مهاراتها، وأصبحت اللياقة البدنية والسرعة مساوية لدور التكتيك والتنظيم، وأصبح الإصرار والعزيمة والنضال مؤثراً جداً في النتائج، وتلك المهارات من صميم مسؤوليات جهاز التدريب بالكامل، وفي المقابل سقطت نظريات، مثل ترشيح أصحاب الألقاب، والاستناد على تصنيف «الفيفا»، وإحصاء أرقام الفريق قبل البطولة، والقيمة السوقية، وعدد النجوم الذين يضيئون سماء المنتخب أو الفريق.
في آسيا كانت هناك جياد سوداء في مختلف مراحل بطولة الأمم، وبعضها تخطى حاجز دور المجموعات مثل تايلاند، وبعضها ذهب إلى منطقة أبعد مثل أوزبكستان وطاجيكستان، من آسيا الوسطى، بما يشير إلى دخولهما منطقة السباق التقليدية بين غرب وشرق القارة.
وفي مراحل الإقصاء، ظهر تأثير القوة والطاقة البدنية وأهميتهما، بما يسمح للمنتخب بلعب 120 دقيقة، ليحسم الصراع بركلات الجزاء، وتكرر ذلك في دوري الستة عشر والثمانية، أربع مرات، في مباريات الإمارات وطاجيكستان، وكوريا والسعودية، وإيران وسوريا، وقطر وأوزبكستان.
وفي الوقت نفسه، أصبح لحراس المرمى تأثير ودور كبير، تعدى الدور السابق الذي كان يصف الحارس بأنه «نصف الفريق»، ففي ركلات الترجيح أصبح الحارس «كل الفريق»!
لقد نجح منتخب الأردن في التأهل إلى الدور قبل النهائي للمرة الأولى في تاريخه، بعد فوزه على منتخب طاجيكستان الذي خاض المشاركة الأولى له في تاريخ البطولة القارية، وبنضال حقيقي تجاوز منتخب كوريا منافسه منتخب أستراليا، وتأهل منتخب قطر حامل اللقب بفضل حارس المرمى مشعل برشم بطل ركلات الترجيح أمام أوزبكستان، ونجح منتخب إيران في إقصاء اليابان الفائز باللقب أربع مرات، وهنا منح الحضور والدعم الجماهيري المنتخبات الأربعة طاقة إضافية وإيجابية كانت بمثابة قوة دفع حين وصل الإنهاك البدني إلى أقصى مراحله.
التغيير في أفريقيا يماثل ما جرى في آسيا، وظهرت منتخبات صمدت أمام الحيتان، وخرجت منتخبات كبيرة كانت تعد مثل أسماك القرش في بحر اللعبة، وتأكدت المهارات الجديدة، القوة واللياقة البدنية، والسرعات، والنضال والروح القتالية، وهي مهارات يتحمل مسؤولية صناعتها الجهاز التدريبي بالكامل بجانب دوره في صناعة المهارات الفنية، تلك المهارات لا تقتصر على أجهزة تدريب المنتخبات، لأن تنميتها يحتاج إلى مساعدة حقيقية وضرورية من جميع أجهزة الفرق الملزمة برفع مستوى تلك المهارات من مراحل الناشئين وفي كل المسابقات المحلية.
** تجلت ظاهرة جديدة، وهي ظاهرة الاعتذار من جانب المدربين واللاعبين للجماهير، وقد أصبحت ضرورة أمام ضغط السباق وضغط الجمهور وضغط مواقع التواصل الاجتماعي.