فتنة السماء هذا الشعاع منثوراً فوق جسد الكوكب، عابراً السحب وحرير النسيم. فرح الغصون البهيجة تتجمهر على قدمي. أنا المفتونة بالضياء. لا شيء بيني وبينه، لا حائط ولا نهر. متحدان نحن. الفتنة الفضية كيف تصير كالبنفسج يقطر بشهوة العطر، ورداً تائها في بهائه وسحره، ورقاً يحتوي الأخضر ويبهر بفتنته. كيف لهذا الشعاع، هذه الفضة، وهذا السحر النافذ في رقة العتمة؟ وشائع الحرير هذا الشعاع وغموض السر في الكون الرحيب. أين يرحل ذهب الوقت والنهار؟ أين تختبئ ذرات اللآلئ هذه؟ هل تنام لتستيقظ وتموت لتولد، أم أنها تراوغ زائغة في الشقاوة، تنفلت حين تدرك وتظهر حين نغرق في السهو؟
هشيم البلور هذا الندى يتساقط ناعماً، مترفاً، ثم ينسحب لائذاً بالظلال.
من الذي يرقص الضوء أم الغصن؟ من يعزف اللحن كي يتمايل هكذا بفتنة فائقة وهدوء لذيذ. الضوء ينسل خافتاً رغم ضجة المصابيح ما إن تلملم الأشعة الباهرة وشاحها وتختفي وراء غموض الأفق. هل نحن الشعراء كائنات ليلية يصفعنا النهار، يجلجل أقدامنا في اتجاهات تصخب في محيطنا، فلا نلتئم ولا ينهض الخيال من غفوته حتى ينهض شعاع المساء بخفوته وهمسه؟ هل أنا مثل كائنات الطبيعة، كالوردة والغصن والطير والبهاء أم أنني الإنسان؟ لغتي الحياة وخفق روحي نبض هذا الكون.عبر قلبي تمر الكائنات مترفة بغبطة وجودها، وهانئة في رأفتي وظلي تنساب متئدة بين خفق قلبي وخصب التراب، كأنها تتلو نظام الكون في مسراها وأقرأ في طبائعها شريعة الحياة. كل يوم أفتح نوافذ الروح لألق وجودها، وأنمنم رحاب البيت بأعشاشها ونهنهة الندى. وأبتني الحدائق بحبي وأمومتي لأحفظ الكائنات من شرور الأيام! عبر وجودي تمر الفصول مترعة بأسرارها وتنقش على جسدي في تعاقبها مرور الزمان. دون انتباه أعد أيامي بترف الثواني وأحصيها بوطأة السنين! مدارجنا الفصول وأجسادنا عناصرها خفية تعبر دون خديعة ودون اجتياز أو اختراق! الفصل لا يجتاز فصلاً أو يسابقه في دورة الطبيعة ونحن إلا تجلي الفصول في تعاقبها، لكنها عائدة إلى مبتدأ ونحن إلى نهاياتنا.
عبر القلب والجسد تمر الحياة بصخبها وسكونها، بإيقاعها ونزواتها. كأننا مفرد واختزال الكائنات، كأننا بعض فيضها وخفق أرواحنا فضاؤها ودورة العمر دائرة الزمان! الندى الشحيح يوقظني كما يستيقظ البرعم من لمس الندى. المطر الشفيف يبهجني كما تنتشي الجذور بعد حرائق الظمأ. الريح في اشتدادها وتري، وفي خفوتها همسي وإيقاعي. كأنني والكون مفردة ونبض الكون يجمعنا!