عندما نجعل من السعادة ترياق حياة نكون قد أنجزنا مشروعنا الحضاري الحقيقي، ويقول إدغار موران الفيلسوف الفرنسي (التقدم التكنولوجي ليس شرطاً للتقدم الثقافي).
بل قد تكون النتيجة عكسية؛ لأنه ما من إنسان يخلع قميص الثقافة الحقيقية، وينغمس في بحيرة التكنولوجيا إلا ويفقد جزءاً مهماً من حياته وهي السعادة.
فعندما نغوص في محيط التكنولوجيا حتى الأذنين فلا نسمع بوح الثقافة في ضمائرنا، وعندما تتلاشى أغنيات الثقافة تختفي نجمة السعادة خلف ركام من الغبار التكنولوجي وتتحول البشرية إلى كائنات هلامية ذوات قرون حادة تتناطح حتى الإدماء وتكسير العظام.. فالثقافة ضرورة وجودية كي يشعر الإنسان في أهميته على كوكب الأرض، ومن ثم يمتلئ سعادة كلما أحس أنه موجود بالفعل، وأن صوته الخارج من فمه ليس صوت ريح خارجية، بل هو صوته الذي يحتفي بوجوده ليؤسس خيمة السعادة بعيداً عن الإحساس بالضعف؛ ومن ثم بالعدمية والتي هي أس الشعور بالإحباط والاكتئاب السوداوي القاتل.
عملت الإمارات منذ التأسيس على نشر ثقافة السعادة؛ لأن السعادة ثقافة ومن لا ينشأ على هذه الثقافة يعش أبد الدهر بين الحفر الداكنة، وتستمر حياته بلا لون وكأنه الفقاعات التائهة على ظهر موجة غاضبة.
من يتابع المشهد في الإمارات يقرأ صوراً واضحة عن الإيمان بالسعادة، سعادة الإنسان واعتبار السعادة الطريق إلى العمل والتطور والإنجازات الكبيرة والمشاريع المبهرة.
فإنسان محبط أشبه بعجلة من دون إطار، فإنها لا تستطيع أن تتحرك ومن ثم تتعطل كل منجزاتها اليومية.
إنسان محبط لا يمكن أن يبدع لأن الإبداع مرتبط بالطموح، فكيف لإنسان محبط سيأتي بالطموح، ولهذا عملت الإمارات منذ البدء على تنمية الطموحات لدى الأجيال المتعاقبة، حتى أصبحت هذه التنمية ثقافة، وتلتها ثقافة السعادة عند كل إنجاز طموح ما؛ وهكذا فالمسألة سلسلة من حلقات النشوء والارتقاء.
فحتى يتطور الإنسان فهو بحاجة إلى طموح، ولكي يشعر بالطموح فهو بحاجة إلى عنصر السعادة الذي يفتح الطريق أمام عربات الطموح كي تمر، ولكن هذه السعادة لا تنمو ولا تتسع حدقاتها، ولا تنضد عناقيدها إلا بوجود أجندة ثقافية ترتب هذه العناقيد، وتسدد خطا الإنسان باتجاه العمل اليومي.
عندما تسير في شوارع الإمارات تشعر بأنك تمشي على الماء، وأنك محاط بحراسة مشددة، تحمي مشاعرك هذه الحراسة، مشتملة على المشاهد الحضارية التي يتمتع بها البلد، وترسخها مشاريع عملاقة شيدت لخدمة الإنسان وبناء سعادته على هذه الأرض.
فأينما تولي وجهك فثمة مشاهد براقة وذات رونق حضاري يؤكد أننا في عصرنا الذهبي، وأننا ذاهبون إلى العلا بمعية منجزات خلابة تسر الناظرين.