كلما هلّ شهر رمضان المبارك، فتح بفيض كرمه خزانة ذاكرتي عندما كنت صبية صغيرة أتردد على المدرسة الابتدائية. ففي ذلك الزمن البعيد كلما هل شهر رمضان المبارك، وتبدأ عائلتي في ترتيب البيت، وإعداد الطعام للإفطار والسحور. كنت منذ أول يوم من رمضان، عندما أعود ظهراً من المدرسة أفتح المصحف الكبير الذي ما زلت أحتفظ به في مكتبتي، والذي اشترته لي خالتي الغالية «رحمها الله»، وأبدأ في قراءته من الفاتحة مروراً بأياته المقدسة حتى بدء أذان المغرب الذي يدعو الناس للصلاة والإفطار. فأنهض وأضع غصناً صغيراً من شجرة الريحان التي زرعتها بين صفحتي المصحف حتى لا أنسى السورة التي أنجزت قراءتها. 
وأخرج من الغرفة التي كنت اقرأ فيها وأتجه إلى السفرة التي رتبت عليها والدتي الطعام للإفطار، فأجلس مع عائلتي المكونة من والدتي وخالتي وأخي وأختي وجدي الغالي، رحمه الله، ونبدأ بقراءة الفاتحة، وذكر الله والرسول الكريم، ثم نبدأ بتناول طعام الإفطار. وعندما أنتهي من تناول إفطاري وأذهب لأغتسل وأصلي، أذهب ثانية إلى الغرفة التي كنت أقرأ فيها القرآن الكريم، وأفتح المصحف على الصفحتين التي وضعت بينهما غصن الريحان. وأبدأ القراءة حتى العاشرة مساء، حيث أغلقت المصحف وأضع بين صفحتيه غصن الريجان في المكان الذي أنجزت قراءة سوره، وأذهب لأنام حتى موعد تناولنا السحور.
في الصباح الباكر أذهب إلى المدرسة، وحين أجلس في الصف الذي اعتدت الجلوس فيه تظل ذاكرتي، رغم سماعي شروح المعلمة للدرس، تستعيد ما قرأته من المصحف الكريم. وبعد انتهاء الدوام في المدرسة أعود إلى البيت وأدخل الغرفة التي أقرأ القرآن فيها، وافتح صفحات المصحف وأبدأ بالقراء بصوت خافت لأن خالتي الغالية كانت تحب أن تجلس بالقرب مني لتستمع إلى قراءتي لآيات القرآن الكريم، وحين يحين موعد أذان المغرب أنهض وأضع كعادتي غصن الريحان بين صفحتي المصحف. هكذا كانت عادتي اليومية خلال شهر رمضان المبارك، لكن عندما نصل إلى يوم 27 من رمضان تطلب مني أمي أن اقرأ آيات التثويب لأرواح الموتى. فأتناول الكتاب الذي دُونت فيه آيات التثويب وأبدأ في القراءة بعد الإفطار حتى موعد نومي، ثم استيقظ عند سماعي صوت أذان الفجر لتناول وجبة السحور مع عائلتي، وفي الصباح أتهيأ للذهاب إلى المدرسة، وحين أعود منها أبدأ في قراءة القرآن من الصفحات التي أنجزت قراءتها حتى تاريخ 27 كي أكمل قراءتي لبقية الشهر. هكذا حتى أختم القرآن في كل مرة خلال شهر رمضان الكريم.