منذ أن يستيقظ الصائمون حتى غروب الشمس، فهم يعيشون أحلاماً نهارية مضاءة بمشاعر بهية زاهية بالصور الخيالية المبهرة.
وتفوق أحلام الصغار سواهم؛ لأن هذه الفئة تمتلك مساحة واسعة من أفنية المخيلة، والتي تسبح فيها طيور الأحلام في خيلاء وبهجة وسرور ونشاط، وقد يرجع الناس هذه الحالة إلى الصيام كون الصائم يفقد وجبة نهارية رئيسية وهي وجبة الغداء؛ مما يجعله يتأهب للوجبة التالية (الفطور) التي يستعيض بها عن تلك الوجبة النهارية، وهذه قد تكون جزءاً من الحالة الشعورية التي تنتاب الصائمين، ولكن الجزء الأهم كما أعتقد هو أن للصوم طقساً خاصاً تشتعل فيه الأحلام بأريحية، وتكون الساعات النهارية مشبعة بمنمنمات من المشاعر الإيمانية، والتي تأخذ الصائم إلى فضاءات روحانية تفترش سجادتها عند عتبة الروح، ثم تبدأ في فتح نافذة الخيال، الذي بدوره يحمل على أجنحته حزمة من الأحلام، والتي تصور الحياة على غير ما هي في العادة في الأيام قبل وبعد شهر رمضان، ونلمح رغوة صابون المشاعر الرمضانية على الوجوه، فليست هي الوجوه نفسها في شهور السنة الأخرى، ففي رمضان تبدو الوجوه كأنها أطباق تفوح برائحة عطرية الوجنات تنضح بدماء نقية، والعيون تشع ببريق رمضاني يحكي قصة السفر عبر الزمن، وتستمر هذه الخيالات تدير رحاها خلال الشهر الرمضاني، حتى إنك في أول يوم من أيام عيد الفطر قد تشعر بانتكاسة غريبة، فعلى الرغم من فرحة العيد، إلا أن مفارقة رمضان تبرز على الوجوه، وأن الليالي التي أخذت قسطاً وافراً، من عمر الصائمين، تصبح لأيام عدة غريبة وغير مألوفة، ولم تزل الذاكرة مشتعلة بالحكايات الرمضانية وتجمعات الأهل، وتذكر الذين غابوا، والذين تركوا على دفتر العقل وعناوين عريضة ومؤثرة، ولم تزل صورهم متعلقة بالذاكرة.
أعتقد أن المسلمين محظوظون دون سواهم بهذه المناسبة الدينية التي تزورهم في كل عام، وتمكث بين جدران قلوبهم لمدة شهر، ثم تغادر لتترك في الذاكرة رسوماً جميلة لا تفارق العقل حتى تعود المناسبة مرة أخرى في عام جديد.
ومن أهم ما تفعله مناسبة رمضان إلى جانب أنها فريضة دينية مهمة أن هذه المناسبة تحطم جدران الرتابة، وتعيد الإنسان إلى رشده والذي قد يكون انغمس في قصص حياتية سلبته نفسه، وأخذت منه الكثير من مشاعره الإنسانية، ففي رمضان تتجدد الروح، وترتدي سندسها الشفاف، ليبرز الإنسان في هذا الشهر كمولود جديد يطلق ابتسامته للحياة، محيياً العالم بسعادة وبهجة.