الأبناء مضغة القلب، فلذة الأكباد، عندما تقع على أسماعهم لغة كالعصي والسياط الخشبية تعتريهم قشعريرة وجودية تفقدهم الإحساس بأهمية الحياة،  ومن هنا تبدأ لديهم رحلة الموت الشعوري، من هنا تنتابهم فكرة بأن العلاقة مع الآخر علاقة المتسلق على قمة الشجرة، فيرمي الآخرين بالحجر بهدف إدمائهم، الانتقام من العجرفة والتزمت والتعنت واليباب التربوي والضباب الذي يمنع رؤية الحياة كما هي،  ليريهم القبح وسوء التقدير وعدم معرفة الطريق الذي يؤدي بهم إلى مناطق بروز الورد، والذي هو سبب أساسي في منحهم أهمية العطر والشذى الفواح الذي يجعل الحياة وردة عظيمة  منها يشم الإنسان رائحة الجمال وعبق الراحة والانسجام مع مكونات الوجود.
بعض الآباء يشيعون أجواء من الرعب في نفوس الأبناء، وعندما يعترض هؤلاء الصغار، يواجهون بإجابات فجة وعقيمة مثل (نحن آباؤكم نحن أمهاتكم  وعليكم الخضوع وعدم العصيان)، هذه مسلمات بغيضة تثير الفزع، وتنشر حالة من الذعر في نفوس الصغار، فماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟ إنهم يلجؤون إلى عصا الأنانية والتي تدلهم على الحل الخطأ.
هؤلاء الضعفاء يتخذون من ضعفهم وهزائمهم النفسية قوة وجبروتاً وجحيماً يصبونه على من هم أصغر وأضعف منهم، وتستمر الحكاية، تستمر العجلة في الدوران لتطوي حبال القيم وتلفها على الأعناق حتى يصبح المنتصر والمهزوم سواسية في الانكسار وضياع هوية الشخصية القويمة المستقيمة القائمة على حقائق تربوية صحيحة ونافعة للأشخاص وللمجتمع.
نحن بحاجة اليوم إلى لغة مائية سيالة عذبة ينهل منها الأبناء كي يصبحوا أشجاراً مثمرة، كي يصبحوا أجيالاً مفكرة، كي يصيروا عقوداً مبدعة صحيحة معافاة مشافاة من أدران وأحزان وأشجان ونفوس مريضة  تأسرها تصورات خاطئة  وتقبض على أرواحها خيالات مريضة، تقود جيادهم إلى مناطق قاحلة،  وترميهم في يباب الصحارى الموحلة المالحة.
لا يمكن أن تنتج اللغة الخشبية إلا طفيليات تنقل عدواها إلى سائر من يتبعهم، فالجفاف العاطفي أمر تستحي منه الأغصان اليابسة، فتلطم بعضها لتحطم أوصالها، وتختفي من الحياة.
علموهم الحب، فهو طريقهم إلى الفرح، ومنه يصلون إلى التمتع بالجمال،  وما الجمال إلا زهرة تنبت عند عتبة الروح، فتنثر الشذى، تعبق القلوب برياحين الرؤية الواسعة  والصدور الفسيحة التي تتسع للجلوس أمام جدول الماء والغناء بصوت مرتفع  بأن الحياة حلوة، وأن الآخر هو الأزهار التي تملأ أفنية هذه الحياة.
أقول لأولياء الأمور لا تعلقوا مشاكلكم العاطفية  ولا عقد نقصكم على مشاجب الصغار حتى لا تتوالد البيئة مثل استيلاد الأرانب المذعورة، مثل فلول الحشرات المهزومة.
ضعوا كل مشاعركم الرثة بعيداً عن أنوف الصغار حتى لا يشمون العفونة، حتى لا تصدمهم نتانة تلك المشاعر، ويعتقد هؤلاء بأن الحياة ليست إلا جثث ملقاة على قارعة الطريق، ليست الحياة غير حليب فاسد يوهن الأجساد.