شخصيات تغيب فتترك نهارنا لظى وأيامنا ذاكرة تبحث عن إرثها وأثرها.
رحيل الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان يسكن التاريخ عند نقاط تشير إلى أن لغياب النجوم عتمة، وأن أفول المؤسسين غمة، ولكن يبقى في الضمير الإنساني علامة مضيئة لشخصية رافقت الباني المؤسس، وأسست معه تجربة اتحادية رائعة برونق أهل الدار المخلصين ومهارة الأفذاذ الذين صنعوا التاريخ من وهج تعبهم وبراعة صبرهم، فهم الذين وضعوا الثمرات على أغصان أشجارنا، وهم الذين نحتوا الجداول العذبة في عروق ترابنا الحبيب.
طحنون بن محمد شخصية تاريخية تغادر حياتنا، ولكنها تمسك بزمام ذاكرتنا، وتمتلك ألباب حبنا لكل من أفنى الحياة وتفانى من أجل إمارات تقف على أعلى منصات التفاعل الإنساني، ثرية في المعاني، غنية في أسباب العطاء الإنساني، وفية لعروبتها وإنسانيتها، مخلصة للبشرية في كل مكان وزمان، تمتد كالمدى في أفق الناس أجمعين، وتمد اليد انتماء إلى أمّنا الأرض التي هي خيمتنا، وهي سقفنا، وهي قامتنا التي نستمد منها التفوق على كل ما يشين لمبادئنا وقيمنا وأحلامنا وتطلعاتنا وطموحاتنا.
طحنون بن محمد رحل، وستبقى مآثره الوطنية باقية على مر الزمان، راسخة في ضمير الأجيال، متجذرة في عوالمنا الإبداعية، وفي معالمنا الحديثة، وهي التي سمقت وارتفعت هامتها بفضل هؤلاء الرجال الذين سهروا لينام الناس مستقرين آمنين مطمئنين، ترفرف أحلامهم بعلامات الفخر والاعتزاز بهؤلاء النبلاء، وطحنون بن محمد أحد هؤلاء الأفذاذ الذين بذلوا النفس والنفيس من أجل وطن لا يكل من العطاء، ولا يمل من البذل، وطن قامت نهضته على وسم التضحيات الكبرى، وكان زايد الخير، طيب الله ثراه، وأسكنه جنات الخلد، المدرسة التي تخرج منها الشيخ طحنون بن محمد، كما تخرج منها رجال آخرون وضعوا الوطن راية، وحبّه غاية، والبذل من أجله البداية والنهاية.
رحم الله الشيخ طحنون، وأدخله جنات الفردوس، وجعله في مقام الصديقين، والإمارات لن تنسى هذا الباذل، ولن تغفل يوماً عن تلك الأيادي التي بنت وشيدت ورفعت البناء، حيث البناء اليوم أصبح علامة من علامات الدولة الحديثة المتقدمة في قيمها وأخلاق بنيها ورفعة شأن ميادين تقدمها.
الإمارات ستبقى شاهدة على هذه القلاع العملاقة التي ساهم الرجال النجباء في صناعة غدها، والشيخ طحنون أحد هؤلاء المنتمين إلى سحابات الخير، وهو عنقود من عناقيد الفضيلة، وعندما يرحل العظماء تبقى مآثرهم علامات ضوء تنير ساحات الأوطان، وترصع قلوب أهلها بقلائد التقدير، والذاكرة الإماراتية ملأى بصور من الحكمة والموعظة التي يتركها رجال الوطن لتصير هذه الصور مرآة على أثرها تسير الأجيال، وتمضي في دروب الحياة واثقة ثابتة كالجبال، متمسكة بكل ما رسمته تلك الشخصيات من معاني الحب للوطن ولأهله ولكل حي يسير على تراب الأرض.
رحم الله الشيخ طحنون، وأسكنه فسيح جناته.