تحت المطر بلل الكتاب حروفه وفتح الصفحات للمدى والقراء هم الكلمات التي جرت في جداول وموائل كتاب سدد خطاه، عاشقون أدمنوا مجالسة خير جليس وصاروا في مجلسه تلاميذ تمشي بين رموشهم أحلام الشروق، وانبثاق الشمس من بين ثنايا ونوايا وتدلي بأهدابها كي يضاء الكون بعقول نسجت خيوط المحبة بين صفحة وصفحة، وما بينهما تفتحت زهرات اللوتس في عقول لم تزل خضراء يانعة، وأرواحاً مثل شمعة تترقرق بصيصاً إلى الحياة، وتدمع فرحاً بعلاقة وشيجة حميمة بين الكلمة وسؤال الوجود «لماذا أنا وليس نحن»؟ هنا يصبح الكتاب قماشة منقوشة بحروف الضاد، محاكة بإبرة الكلمات الناصعة. هنا أصبحت الكلمة كالسماء تحيط بكل شؤون حياتنا، وتتحكم بعصرنا عالي التقنية، كما تتحكم بعفويتنا وفطرة الألف والياء.
تقول الفلسفة إن الحياة قماشة نحن الذين ننقي قماشتها ليرتع العالم تحت شرشفها في أمان واطمئنان، وتصبح أحلامه فراشات ملونة بالفرح.
تحت المطر لوّن العقل صفحته وأرخى عليها ملاءة أيام تجلت باحتفاء منزوع من أبعاد غير أبعاد الحب، هو هذا الترياق هذا المساق الذي سارت على صداه دولة اجتمعت أركانها على الحب وتفرعت أغصانها حباً ونمت فروعها شوقاً إلى الأفق وتوقاً إلى نجمة في السماء تبدو هي بلورة الكونية وهي نافذته إلى الفرح.
في معرض الكتاب يبدو الكتاب كأنه الندف ألقتها الغيمة تحية وإجلالاً لمناسبة هي أصول في البداية ولا نهاية للكلمة، إنها السماء تلون أحلامنا نجوم الليل وشمس النهار ونحن.. نحن أبناء الأرض نتشوق ولهاً لنجمة تضيء أرواحنا وتنقش على صفحات قلوبنا جملة «تعالوا نرسم للحياة صورة غير التي رسمها الجهال وسدنة الكراهية»، وهكذا تستمر قافلة الجيل محمولاً على أكتاف مشاعر أرهف من ثمرة التوت، وأنعم من رمش غزالة، وأهيف من نجلاء كحيلة.
الله.. كم هو التاريخ مهيب رهيب عندما يجمع بين جمال الكلمة وهيبة الجمال، فتكون الحياة أغنية بحرية يسردها بحار ما ملّ الغوص في لجج المعاني وما كف عن الشدو.
أحياناً نتأخر كثيراً عن مجالسة الصديق الحميم لأسباب خارجة عن إرادتنا لن أقول لأسباب المطر، ففي بلادنا فرق مكافحة تبذل النفس والنفيس لجعل المكان كأنه المرآة تعكس مدى نقاء الأرض كما هي ضمائر أهلنا وأحبتنا، ولكن الظروف تتعدد والنتيجة واحدة هي أنني تأخرت لأيام ولم أزر صديقي، ولما انتبهت ونفضت رأسي من كل ما علق به من شؤون وشجون وجدته بين دور النشر يسمق كشجرة عملاقة سامقة باسقة تشدو الكلمات بين صفحاته، ويقف عشاق الكلمة مزملين بالصمت، ويتخيرون بين هذا الكتاب وذاك، وفي كل الحالات فأي كتاب مهم مهما بلغت ملاحظاتنا نحوه لأنه نتاج جهد، وفي أي جهد لا بد من بذرة قد تكون بداية غرس جديد وشعر، وأنا أمر هنا وهناك بين الأزقة المخملية، بأنني أمر عبر رموش تروغ عني زحمة جفاف عاطفي مزمن، شعرت بأنني في بداية ترتيب مشاعري وتنسيق أوراقها.