هل الذي جرى لتركيا في قاعدة «الوطية» الليبية حادثة أم كارثة؟ يمكن القطع بأن استهداف قواعد الصواريخ التي تم تركيبها على أرض القاعدة حادثة كبرى وفضيحة عسكرية لأردوغان. هذا جزء من المشهد، أما باقي الصورة، فيمثل الكارثة الحقيقية، وهي انكشاف ضآلة المحتل أمام إرادة دولية لم ولن تسمح لأنقرة بلعب دور رئيس ومتقدم شرق أوسطياً، ما معنى هذا الحديث؟
الجواب يبدأ من عند علامة الاستفهام التي تبدو أنها مثيرة للتأمل وغائبة وسط ضجيج قنابل الطائرات المتقدمة التي قصفت الموقع، وتدور حول من الذي فعلها، وأذل أردوغان على هذا النحو المهين، إذ لم تعلن دولة ما عن قيامها بهذه الغارة الناجحة.
والأكثر وجعاً لأردوغان هو الموقف الأميركي، إذ حكماً لم تكن تلك الغارة لتغيب عن بصاصيه براً وجواً وبحراً، ما يعني أنها حدثت برضى تام.
تبدو الانتكاسة التركية واضحة لا محالة في ليبيا، فمن الصعب أن يتحدى بائع الأوهام حقائق الجغرافيا، وأحاجي التاريخ، أما الأولى فإن الأرض تحارب مع أبنائها، والمرتزقة في نهاية المشهد إلى زوال، فيما التاريخ لا يعود إلى الوراء، حتى وإن وجد طابو خامس بين الليبيين أنفسهم متمثلاً في السراج وإرهابييه.
من أنقرة العاصمة المنقسمة على ذاتها والمتشظية إلى ألوان غير متناسقة أو مرتاحة إلى بعضها البعض، الأمر الذي ينذر أردوغان بقرب زوال جماعته، يصدر التهديد والوعيد بالانتقام القادم، لكن الانتقام ممن، أمر لا يفكر فيه صاحب الأصوات الزاعقة والرايات الفاقعة.
السلطان المتوهم، والذي لم يقدر على حماية سماء قاعدة «الوطية» ، وجاءته الضربات من حيث لا يحتسب، يبقى على عناده ومكابرته، من خلال التصميم على التقدم إلى الشرق، ونشر خرائط تبين نواياه لمعركة قادمة مع سرت، وهذا يعني انتحاراً كاملاً وهزيمة تعيد أحداث موقعة «ليبانت» التي جرت سنة 1571 بين العثمانيين وتحالف أوروبي، وانتهت بهزيمة ساحقه ماحقة للأتراك.
أردوغان يسعى إلى حتفه وحقبته الغبراء معه، إذ بات الجميع يدرك أهدافه من سرت والجفرة وهي:
أولاً: الوصول إلى آبار النفط الليبي، والشراكة القسرية في منابع «غاز المتوسط».
ثانياً: الاقتراب من أوروبا عبر إيطاليا تحديداً، وتهديد الأوروبيين اقتصادياً عبر النفط والغاز من جهة، وبالإرهابيين من جهة ثانية.
ثالثاً: الاستعداد لإزعاج مصر والعودة «الإخوانية» من الشباك بعد أن تم طرد الإسلامويين من الباب. حلم أردوغان أن يصبح رقماً صعباً في المعادلة الدولية، لكن الجميع يكرهونه لما قدمت يداه، ولأن خطوط طوله، وخيوط عرضه، تتقاطع واستراتيجيات الدول العظمى. الخلاصة «الوطية» ستكون بداية النهاية للأوهام الأردوغانية.
*كاتب مصري