عندما يُقال إن طموح دولة الإمارات العربية المتحدة يتخطّى حدود الأرض، فإن ذلك لا يحمل أيّ صيغة مبالغة أو خيال؛ فوصول رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية العام الماضي، كان آخر دليل على صدق هذا القول، لكنه لن يكون الأخير بحول الله؛ إذ سيجعل انطلاق «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ، بعد أيامٍ قليلة، ما قيل كأنّه يبدو بسيطاً أمام طموح دولة وقيادة وشعب لن يتوقف، ما دامت الدماء تنبض في العروق، وما دامت الأحلام والطموحات متواصلة، وما دامت الأدمغة والعقول تتفاعل مع كل ما هو متطور ومتقدم.
الأربعاء المقبل، الذي يُصادف الـ 15 من يوليو الجاري، سيكون يوماً فارقاً في مسيرة دولة الإمارات، فهو الموعد المقرر لإقلاع «مسبار الأمل» من قاعدة تانيغاشيما الفضائية باليابان لاستكشاف المريّخ؛ حيث ستكون إدارة عملية إطلاق وإدارة المسبار من غرفة تحكُّم بمنطقة الخوانيج في دبي بأيدي شباب إماراتيين؛ وسيستمع العالم، لأول مرّة في التاريخ، إلى العدّ التنازلي لعملية إطلاق أول مهمة عربية وإسلامية لاستكشاف المريخ باللغة العربية، وهي مهمة تمَّ التحضير لها بدقة كبيرة، ووفق جدول متقن، وحضّر لها فريق عمل يتضمن كوادر إماراتية شابة، عملوا بجدّ ومثابرة وإصرار، حتى أدخلوا المسبار في كبسولة الإطلاق، ووضعوا الكبسولة أعلى صاروخ الإطلاق، تمهيداً لإطلاقه نحو الكوكب الأحمر.
«مسبار الأمل»، المفخرة الجديدة التي تُضاف إلى سجلّ المفاخر، يؤكد للعالم اليوم أن دولة الإمارات ستبقى القادرة على تحقيق الإنجازات، وخاصة أنها أبهرت الجميع بإنجاز هذا المسبار، الذي يُعدّ أحد أكبر المشروعات العلمية العالمية، في وقت قياسي لم يتجاوز الست سنوات، وبتكلفة هي الأقل بين المشروعات المُشابهة؛ حيث قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»: «نظر أجدادنا للنجوم في رحلاتهم البحرية لبناء أمجادهم.. واليوم ينظر لها أبناؤنا لبناء مستقبلهم»، ليؤكد قولُ سموه أنه إذا توافرت الرؤية والثقة، وإذا تميزت الإمكانات والطاقات البشرية، فلا خيار لدولة الإمارات إلا أن تعمل على استثمار المستقبل، وتبقى مصدر الإلهام للشابات والشباب، بأنْ لا حدود للطموحات عند توافر الإرادة.
إن ما حقّقته دولة الإمارات، خارج حدود الأرض، لم يكن إلا بفضل رؤية قيادتها الثاقبة التي تقف في وجه التحديات، وتسعى إلى أن تكون الدولة ضمن أفضل التصنيفات؛ ولذلك تجد قيادتنا الرشيدة وجّهت بأن تكون المعرفة والتكنولوجيا والعلوم هي ما يرسم ملامح المستقبل المستدام الذي يُوفّر الرفاه والاستقرار، ويرفع اسم دولة الإمارات عالياً بين الأمم؛ وليأتي «المسبار» في هذه المرحلة بطموحات كبيرة، أساسها خدمة البشرية والمجتمعات العلمية، من خلال جمع المعلومات عن الكوكب الأحمر، ووضعها في متناول ما يزيد على 200 مركز أبحاث ومؤسسة علمية حول العالم، إضافة إلى الهدف الأسمى الخاص بتمكين كوادر الدولة الوطنية من المبدعين والموهوبين، بمهارات ومعارف متقدمة، تجعلهم قادرين على كسر العقبات وتُمكّنهم من تحدي المستحيل.
«مسبار الأمل»، الذي سيصل إلى مدار كوكب المريخ في شهر فبراير المقبل، بالتزامن مع احتفالات دولة الإمارات بمرور 50 عاماً على إعلان الاتحاد، يعكس العديد من الصور الناصعة والمشرقة، لقيادة حكيمة كان همّها، وما زال، أن تحوّل التحديات إلى فرص، وأن تمتلك المعرفة لما فيه خير البشرية، وأن تعمل على تعزيز أطر التعاون والشراكة الدولية في مجالات العلوم المتقدمة، بما يُجسّد الطموح في ترسيخ الثقة بأن الدولة وأبناءَها قادرون على تحقيق الآمال والطموحات، وتشكيل وصناعة مستقبل واعد للإنسانية، يعيد الأمل إلى الشعوب العربية والإسلامية، بأن إحياء التاريخ الزاخر بالإنجازات أمرٌ ليس بالمستحيل، وأن المستقبل يتطلب في هذه المرحلة إنشاء صناعة فضائية تنافسية ومستدامة، تدعم الابتكار وتعزز روح المبادرة والإبداع.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.