إذا ما نظرنا إلى التاريخ السياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة وما كان يُعرف سابقاً باسم «إمارات الساحل»، فسنجده متوفراً في أرشيفات ودراسات كثيرة ومتنوعة. وبالنسبة لنا في الخليج، يعتبر الأرشيف البريطاني من أهم المصادر التاريخية، ولسبب وحيد أنها مفهرسة بطريقة علمية وموثقة بدقة، وأكبر فائدة لنا كانت الأرقام والإحصائيات وتواريخ الأحداث بتواقيتها وأيامها، حيث إن هذا الجانب لم يُعط تلك الأهمية الكبرى من قِبل أجدادنا ممن دونوا تاريخنا عبر القرون والعقود الماضية، ولكني كباحث أرفض أن أنقل التاريخ الذي كتبه البريطانيون نقلاً من دون تمحيص أو تحليل أو مقارنةٍ مع ما كتبه أو سرده الأجداد، أو ما كتبه العرب عموماً ممن لهم روابط عدة مع تاريخنا وأحداث مشتركة.
وعلى الرغم من قلة تلك المخطوطات المحلية، إلا أنها تعتبر بالنسبة لنا كنوزاً تاريخية، ومنها مجموعة مخطوطات كتبها الشيخ محمد بن هلال الظاهري، وتُعرف حالياً باسم «مجموعة الظواهر». ومن المبادرات الأخرى المحلية أيضاً تلك التي كتبها المؤرخ والتربوي عبدالله بن صالح المطوع، منهما مخطوطتان تحت عنوان «الجواهر واللآلئ في تاريخ عُمان الشمالي»، كما ساهم المؤرخ حميد بن سلطان بن حميد الشامسي في وضع مخطوطة كشفت عن الكثير من الأحداث المحلية تحت عنوان «نقل الأخبار في وفيات المشايخ وحوادث هذه الديار». وكذلك المؤرخ محمد بن علي الشرفاء له مخطوطة تحت عنوان «نيل الرتب في جوامع الأدب»، كتبها عام 1917. ومن المخطوطات القيمة أيضاً مخطوطة «رسائل المُلا حسين»، وهو ثاني وكيل محلي من أهالي الإمارات للمصالح البريطانية في منطقة دولة الإمارات حالياً، وكُتبت الرسائل خلال الفترة من عام 1826 حتى عام 1851. ومن المخطوطات القيمة الأخرى مخطوطة «رسائل السركال»، وهي مخطوطة مستخلصة من رسائل الوكلاء الوطنيين في الإمارات للمصالح البريطانية، وذلك ما بين عامي 1852 و1935.
وهناك أيضاً مخطوطة «فوائد في تاريخ الإمارات» للشيخ محمد بن سعيد بن غباش، وهو من الإماراتيين القلائل الذين درسوا في الأزهر الشريف في بدايات القرن العشرين، ودوّن كتاباته التاريخية إلى ما قبل وفاته عام 1969. ومن الذين ساهموا كذلك في كتابة بعض الأحداث الأديب مبارك بن سيف الناخي، أحد رواد حركة الفكر والثقافة في الإمارات، والمتوفى عام 1982، حيث ساهم في كتابة العديد من المقالات في بعض الصحف العربية في عشرينيات القرن الماضي. وأخيراً الأديب الراحل حمد بوشهاب، المشهود له بالثناء على تدوينه للكثير من الأشعار الإماراتية، والتي يعود أغلبها لقرون مضت، حيث كان مَن يجيدون الكتابة والقراءة من أهالي «إمارات الساحل» في القرون الماضية قلّة قليلة، وكانوا يعتمدون على الرواية الشفهية لمعرفة تاريخ مَن سبقوهم. وقد لعبت الأشعار القديمة دوراً في معرفة بعض الأحداث السابقة، ومثال على ذلك أشعار الشاعر الكبير الماجدي بن ظاهر في القرن السابع عشر، وأراجيز الملاح الكبير أحمد بن ماجد في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
المقصود هنا مما ذُكر هو التأكيد على أننا لسنا حديثي العهد في علم التاريخ. صحيح أن ما قدّمه الأجداد في هذا المجال يُعد قليلاً من الناحية الكمية، لكن عندما يأتي القليل من شعب محدود العدد في ذلك الحين، فهو كثير في حقيقته. فمؤرخونا لهم أيضاً من المساهمات التاريخية ما يرد على افتراءات البعض وتأويلاتهم، وتصحيح العديد من المعلومات الخاطئة، وذلك من خلال الشواهد الصادقة، سواء أكانت ملموسة أم مروّية.

*كاتب إماراتي