تُسهم المؤسسات التعليمية في بناء شخصية الطلبة الذين يلتحقون بها في سن مبكرة، ويقضون فيها أغلب أوقات يومهم. ويرتبط نماء الفرد وتوازنه المعرفي والاجتماعي والوجداني، وكثير من ملامح مستقبله، ارتباطاً وثيقاً بما يعيشه داخل المدرسة. وانطلاقاً من إدراك دولة الإمارات العربية المتحدة لهذه الحقيقة، فقد حشدت جهودها لمواجهة ظاهرة التنمر، ودفعت بها إلى صدارة اهتمامات المؤسسات المعنية بالتعليم، والمؤسسات المجتمعية الأخرى التي يتصل نشاطها بالأطفال في هذه السن المبكرة. 
ويُعرَّف التنمُّر بأنه عنف مُتعمَّد ومكرَّر يتعرض له طفل أضعف من جانب طفل آخر أو مجموعة من الأطفال. ويتخذ هذا العنف أشكالاً متنوعة من الإيذاء، منها العنف الجسدي، أو اللفظي، أو النفسي. وتُعدُّ المدارس، في مختلف الدول والمجتمعات، من الأماكن التقليدية التي ينتشر بها هذا السلوك السيئ.
ونظراً إلى خطورة الظاهرة، فقد اهتمت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، بالتصدي لها، ووجهت سموها «المجلس الأعلى للأمومة والطفولة» إلى الإسهام الفعال في التصدي للتنمر في مدارس الدولة، وتُرجمت هذه التوجيهات السديدة إلى مبادرات وبرامج عمل وجهود متواصلة بذلها المجلس منذ سنوات، اعتماداً على الوسائل والأساليب العلمية من جهة، والحسم الذي ووجهت به حالات التنمر من الجهات المختصة في الدولة من جهة ثانية.
وتزامناً مع بدء العام الدراسي منذ أيام قليلة، أُعلن يوم أول من أمس الاثنين، فتح باب التسجيل للدورة الثانية من «جائزة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة للوقاية من التنمر في المدارس»، التي يتعاون فيها المجلس مع وزارة التربية والتعليم و«منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (اليونيسيف). والجائزة مخصصة للمبادرات المتميزة في الحد من التنمر. وتشمل الفئات التي يمكن أن تتقدم للجائزة المدارس الحكومية والخاصة، والمديرين والمعلمين، ومن في حكمهم من الفنيين والممرضين، والطلبة والأخصائيين الاجتماعيين، والمرشدين الأكاديميين والمهنيين، وأولياء الأمور.
وتتسم الجائزة بأنها تشجع مبادرات عملية طُبقت بالفعل وترتبت عليها نتائج إيجابية. كما يظهر فيها كذلك تنوع الفئات المتنافسة، وهو ما يوسع زوايا الرؤية في مواجهة التنمر، حيث يشارك فيها أطراف العملية التعليمية جميعاً. ولا شك أن لكل مكان خصوصيته وسماته المتفردة التي تُنتج أنواعاً بعينها من التنمر، وتحتاج بالتالي إلى طرائق بعينها للمعالجة. فالقواعد العلمية العامة لمواجهة التنمر تقدِّم إطاراً عاماً، لكن تنزيل هذه القواعد على حالة بعينها يحتاج إلى إبداعات أفراد يعرفون جيداً ظروف مجتمعهم.
وتعود أهمية مواجهة التنمر إلى فداحة الآثار المترتبة عليه، وهي لا تقتصر على الضحية، بل تشمل من يمارس التنمر، ومن يشاهده دون أن يتدخل. فالطفل الذي يُمارَس عليه التنمر يكون معرَّضاً لفقدان الثقة بالنفس، وتراجع الأداء الدراسي، والانطوائية والعزلة، وربما يعاني الاكتئاب، والقلق، وقد يُقدم على الانتحار. أما من يمارس التنمر، فهو معرض لهجر الدراسة مبكراً، والفشل في العمل وفي بناء علاقات صحية، وتزيد احتمالات تورطه في السرقة وممارسة العنف والسلوك الإجرامي. والطفل الذي يشاهد التنمر دون أن يستطيع منعه، يعاني شعوراً بالذنب والعجز، والخوف من أن يكون الضحية التالية.
وإلى جانب الجائزة، كان «للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة» مبادرات أخرى تعاون فيها مع أكثر من 20 جهة اتحادية ومحلية، ومنها تنفيذ برنامج تدريبي للوقاية من التنمر في 64 مدرسة من مدارس الدولة، وإصدار دليل للوالدين للحماية من التنمر، وإطلاق حملة «الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر» في المدارس عامي 2018، و2019 لرفع مستوى الوعي بالمشكلة في جميع إمارات الدولة، وهو ما كانت له آثاره الإيجابية في تخفيض التنمر في مدارس الدولة. 
أخيراً، فإن إعلان هذه الجائزة المهمة يحتل مكانه ضمن جهود متصاعدة خلال الفترة الأخيرة اشتركت فيها جهات ومؤسسات مختلفة، من أجل عام دراسي جديد يوفر لطلبة الدولة وثروتها المستقبلية الأهم، البيئة الأكثر ملاءمة للتفوق والإبداع.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.